أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الأحد، 18 نوفمبر 2012

مدخل إلى ثقافة الخوف (1) سيكولوجية الطفولة وثقافة الخوف




نشر الباحث الدكتور/ أحمد محمد عقلة الزبون منذ سنوات دراسة حول سيكولوجية الطفولة وثقافة الخوف، وهي دراسة مهمة لأنها تعني بالكيفية التي يلقن فيها الفرد منذ الطفولة ثقافة الخوف، تناولت الدراسة ظاهرة الخوف الطفولي والأسباب التي تقف وراءها والكيفية التي يتم من خلالها مواجهة هذه الثقافة، كما تسلط الضوء على أساليب التربية الخاطئة التي تسهم في توريث ثقافة الخوف للطفل، وبالتالي تؤثر سلباً على إرادته وعزيمته.
تناولت الدراسة الاتجاهات التي تصدى لها علماء النفس لمواجهة ثقافة الخوف في سيكولوجية الطفولة، وهي ثلاث اتجاهات أولها أن الخوف عبارة عن انفعالات ومشاعر وجدانية يزود بها الطفل قبل ولادته، الاتجاه الثاني أن الخوف أمر مكتسب من العالم الخارجي والبيئة المحيطة بالطفل، وأخيرا أن الخوف منشؤه الفطرة والاكتساب- لتأثير النفسية الإنسانية بالبيئة الخارجية- وأقرب الاتجاهات لمنشأ ثقافة الخوف لدى الطفل هي الفطرة والاكتساب معاً، فالخوف يتأثر بالمثيرات الحسية كالخوف من الضوضاء والظلام والحيوانات، وأصوغ مثالا عليه إتباع بعض الأهالي أسلوب عقاب للطفل متمثل بحبسه في الظلام، ومثيرات غير حسية كعالم الأرواح والسحر والأساطير الخرافية والعذاب ومثال عليه تخويف الطفل بقصص العقاب والعذاب كنوع من أنواع التربية لفرض السيطرة عليه.
كما ذكر الباحث نشأة وتطور ثقافة الخوف، على أن الخوف من ضمن أولى الانفعالات التي تظهر على الطفل في مراحل الطفولة المبكرة وبالتحديد منذ الشهر السادس، لأن الطفل في هذه الفترة يستطيع أن يميز ما حوله وعلى وجه الخصوص وجه أمه، ويظهر ذلك عندما تغيب عنه كإشارات للقلق والبكاء، وبالتالي بداية ظهور الخوف، ومن ثم ما بين السنة الثانية والرابعة يخاف الطفل من الحيوانات والعواصف والظلام والغرباء، وتخف هذه المخاوف في سن الخامسة وتتلاشى في سن التاسعة، ولكن تظهر مخاوف جديدة خلالها مثل الخوف من الأشباح والوحوش.

ويرى الباحث أن هناك عدة أسباب لثقافة الخوف أهمها: الخبرات المؤلمة ( عدم مقدرة الطفل على التكيف مع الحوادث والنتيجة بقاء الخوف لفترة طويلة، مثال عليه السقوط من سطح البيت الذي سيؤدي بالطفل إلى الخوف من المرتفعات)، ويرى ماكبريد صاحب كتاب الخوف (1960): أن التنشئة الخاطئة أو الخبرة المؤلمة – الصدمة الانفعالية الحادة- أو هما معاً من الأسباب الرئيسة للخوف الذي يستعصي على العقل فهمة.
السبب الثاني نماذج الخوف، أي أن يكتسب الطفل الخوف نتيجة مشاهدته لها عندما يكون برفقة والديه أو أحد أفراد الأسرة، ليتخذ منها نموذجا يقلده فيخاف ويخشى مما خاف منه الكبار، مثال عليه خوف الأم من مشاهدة منظر الدم فيغمى عليها، وعند مشاهدة الطفل لذلك سيصبح أشد خوفاً منها، لكون الأم بالنسبة إليه مصدر الأمن وخوفها من الدم يورث الطفل ذلك.
نأتي للسبب الثالث الذي ذكره الباحث وهو إسقاط الغضب والمقصود به الشعور بالغضب نتيجة سوء المعاملة، فحين يخاطب الأهل أو البالغين الطفل بعبارات مثل ( إني أكرهك) فقد تتحول إلى ( إنك تكرهني وسوف تلحق الأذى بي) فمخاطبة الطفل بعبارات تؤدي إلى الشعور بالذنب والخوف من العقوبة يتم إسقاطها على كل الأشخاص الذين يثيرون الغضب والصوت العالي من حوله، وبالتالي تخيفهم بشكل غير مباشر.
النقد والتوبيخ يعتبر من أهم الأسباب التي تؤدي اكتساب ثقافة الخوف، لأن بعض أولياء الأمور يعتمدون على المغالاة في نقد أبنائهم دون أن ينتبهوا لتأثير هذا الأجراء العقابي على مشاعر الخوف لدى الطفل، فيشعر الطفل أنه غير قادر على فعل شيء صحيح في حياته ويتوقع النقد دائما، وبالتالي يظهر عليه الجبن والخنوع بسبب التهديد المستمر للأخطاء التي قد يقع فيها، مثال عليه الطفل الذي يبلل ملابسه يوبخ من قبل الأهل بصورة مبالغ فيها ولا يتم علاج المشكلة، وبالتالي يكتسب الطفل الخوف من الفوضى أو عدم النظام، لتعرضه الدائم للنقد.
بالإضافة إلى الضبط والمتطلبات الزائدة للآباء في التربية الصارمة تفرض على الطفل التقيد بتلك السلطة المفروض عليه الذي يصل إلى حد خوف الطفل من الشرطة والمعلمين الذين سيمثلون السلطة بعد ذلك، فهناك آباء لديهم نزعة إلى الكمال في أطفالهم مما يؤدي إلى معانة الطفل ومحاولته كسب رضاه بأي طريقة وخوف الطفل من الفشل.
ويضيف الباحث سبب مهم آخر وهو الصراعات الأسرية المستمرة بين أفراد الأسرة والمجادلات الحادة التي تؤدي إلى الشعور بعدم الأمان وشعور الطفل بثقل المشكلات الأسرية التي لا يستطيع استيعابها أو لا أمل في حلها، وتتضخم مشاعر الخوف في حالة إحساس الطفل بعدم مقدرة الأسرة على مواجهة المشاكل، كمثال عليه النزاعات التي تحدث بين الأب والأم.
ومن ثم يذكر الباحث سبب مختلف ويمارسه كثير من الأطفال وهو محاولة السيطرة على الآخرين الذي يصطنع فيه الطفل الخوف من اجل اجتذاب اهتمام والديه أو معلمه ويغض للأسف الطرف عنه بعض أولياء الأمور لتصبح مع مرور الزمن عادة سلوكية لديه، فالخوف في هذه الحالة يصبح مثمراً ونافعاً بالرغم من أنه مؤلم في الوقت نفسه وابرز مثال عليه الخوف من المدرسة وبالتالي يسمح ولي الأمر للطفل بالبقاء في البيت.
ونأتي إلى سبب آخر وهو التدريب الخاطئ المتمثل في العناية الفائقة والمبالغ فيها بالطفل أو نتيجة الإهمال واللامبالاة أو التشدد في المعاملة في سلوكه الشخصي أو علاقته بالأفراد من حوله، مثل تهديد الطفل بالجن أو برجال الشرطة من أجل إخضاع سلوكيات الطفل التي ستكون مع مرور الوقت مصدر للخوف من أفعاله وسلوكياته في المستقبل.
وذكرت الدراسة أن هناك أسباب أخرى غامضة، مختلفة وغير واضحة، وتحدث لفترات معينة من عمر الطفل وقد تتلاشى إذا تم تجاوزها ولم يركز عليها من قبل الأهل بصورة مبالغ فيها وبالتالي قد تؤثر على مشاعر الطفل ومقدرته على تجاوزها.







ليست هناك تعليقات: