أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

مدخل حول ‏ ثقافة اضطهاد المرأة عبر التاريخ

المرأة في الديانة الهندوسية

تبادر كثيراً في ذهني حين كتابتي لمقالي السابق "هل المهر المادي إهانة للمرأة؟" موضوع المهر في الهند، فكما هو معروف فإن المرأة في الهند هي التي تقدم المهر للرجل، وحين نتبع حال المرأة في الهند نجده ليس أفضل من حال المرأة في الوطن العربي، فهناك مشاهد كثيرة وحالات يمارس فيها العنف ضد المرأة بصورة عنيفة وإجرامية واضحة للعيان وأمام أعين القانون، ولكن التحركات لتحريرها وإيجاد الحلول بطيئة جداً وتكاد لا تذكر.
في تاريخ الديانة الهندوسية وتحديداً في بدايتها، كان وضع المرأة يحسد عليها، فقد كان لها دور مميز ومهم في المجتمع الهندي، وكان قياديا وفعالا، وتحديداً في الفترة المقسمة تاريخياً بفترة ازدهار الفلسفة الهندوسية، ووجود مجموعة من النساء الفلاسفة (مثالا عليه أبالا وغوشا Ghosha, Apala) وتحصيلها لأعلى الدراسات والثقافة كعلم الفيدا الذي يعتبر من أقدم العلوم التي عرفها الإنسان لتفاعله بين الوعي والذات، يرجع ذلك بكون المجتمع الهندي مجتمعا زراعيا، يعتمد كثيراً على المرأة العاملة التي كانت تساهم في كل الأعمال وتشارك الرجل حتى في ساحات القتال، وبذلك نجد أن المرأة الهندوسية في بداية الديانة نظيرة للرجل ولا يوجد مجال لم تسهم فيه، فالديانة الهندوسية كانت تعتبر الأرض أمّا ولا يحسن الاعتناء بالأرض سوى المرأة، لذلك كان وفاء الشعب الهندي عبر التاريخ السابق للمرأة موضع فخر، ونجد في نصوص الديانة الهندوسية أن المرأة كانت تُدعى المرأة الفاضلة وكانت الآلهة الهندوسية ترضى عن عبيدها حين يتم تكريم المرأة بل وعبادتها، وكذلك كانت للمرأة حقوق وأملاك لا يتم المفاصلة عليها، فقد كانت تمتلك أراضي زراعية بحسب شريعة الديانة الهندوسية أن الأملاك والحقوق فقط للمرأة، ولا يتم استخدام تلك الأملاك من قبل الأب أو الأخ أو الزوج إلا في حالات الطوارئ (كالمجاعة، والحروب، أو للأعمال المقدسة) وبما أن المرأة كان وضعها قياديا في الهند سابقاً نجد بالتالي أنها قادرة على اختيار شريك حياتها، وحاولت الاطلاع عبر هذا المقال عن تاريخ المهر في الهند كذلك، وبحسب الأطروحات الموجودة نجد أنه بسبب وضع المرأة القيادي وحرية اختيار شريك حياتها فإن الوضع السابق للرجل كان بسيطا لذلك تقدم عائلة الفتاة هدية للرجل التي تختاره لها كنوع من الامتنان له ومساعدة لبناء حياتهما معاً، ومحاولة كذلك منهما لتحسين ووضع مكانة مادية واجتماعية لذلك الرجل الذي تم اختياره من قبل ابنتهم للزواج منه.
خلال القرن السابع إلى التاسع ميلادي، نجد أن المرأة الهندوسية كان لها مكانة ثقافية عالية حتى من قبل المرأة ذات الدخل المادي المحدود، فقد برعت في الرسم والشعر والموسيقى، من ضمنهن Rajyashree شقيقة الإمبراطور الهندي Harshvardhana الذي كان تلميذ بوذا، فقد كان هذا الإمبراطور يستشير أخته في كثير من المسائل المختلفة التي تخص البلاد، كما أن النساء كن قادرات على تعلم اللغة السنسكريتية وبراكريت؛ اللغتان اللتان كانتا تختصان بالديانة الهندوسية والمليئة بالثقافة والأشعار التاريخية القديمة للهند، كما كن قياديات في الشؤون السياسية.
وبالرغم من ذلك نجد أن وضع المرأة الهندوسية قد تغير بمرور التاريخ، وخاصة بعد احتلال دول أوربا للهند وتقسيمها إلى دويلات يتنافس الجميع عليها، ونشرهم لثقافتهم الغربية الغريبة عن المجتمع، بالإضافة إلى تأثر الوضع الاقتصادي للهند، فالاحتلال استغل موارد البلاد وبالتالي زعزع من وضع المرأة الاجتماعي الذي كان أساس المجتمع الاقتصادي في الهند، مما أدى إلى المرأة لاتباع نظام ساتي "Sati" الذي تضحي فيه المرأة بنفسها في محرقة زوجها الجنائزية آثناء حرقة بعد وفاته أثناء محاربته الغزاة، وبالرجوع إلى مصطلح ساتي التاريخي فهو مشتق من الإله ساطي إحدى آلهات الهندوس التي تروي الخرافة أنها ضحت بنفسها بعد موت زوجها، تعبيراً عن ولاها له، ومن هنا احترمت المرأة التي تضحي بنفسها واعتبرت امرأة صالحة من حيث تلك الأضحية التي ستنهي حياتها من أجله، أي التعبير عن الحزن الشديد لفقدان شخص عزيز، والذي يعتبر وفاته بالنسبة إليها إهانه ومذلة لها، كما أنه في أحدى الدراسات يسمى الموت طوعاً "الانتحار" وهو لا يقتصر فقط في الديانة الهندوسية بل في مجمل الثقافات العالمية من حيث ولاء أقارب المتوفي له سواء أكان أبا أو أما أو أختا أو أخا. الخ، ومن جهة أخرى فأن المرأة المتوفي زوجها تعتبر منبوذة إن لم تقدم على هذه الخطوة فيجبرها المجتمع على الإقدام عليها مرغمة، وبالرغم من أن الاحتلال حاول منع مثل هذه الحوادث ولكن وضع المرأة أصبح ينخفض لاسيما في الناحية الاقتصادية، وأصبحت حقوقها يوماً بعد يوم في التردي بسبب اهتزاز ثقتها بنفسها وتدني أوضاع الهند الاقتصادية، وبالتالي ظهرت مشاكل عديدة ومختلفة ضد المرأة على سبيل المثال ظهور جرائم القتل بسبب المهور، فالفتاة تقدم على الانتحار أو تقتل على يد الأزواج أو الأصهار في محاولة منهم لابتزازها، فالمجتمع أصبح يستخدم شرائع الديانة الهندوسية في مسألة الزواج الذي كان فيها المهر عبارة عن هدية تقدمها المرأة تكريما لزوجها، أصبحت في الوقت الحالي مجبره على دفع مبالغ فوق طاقتها مهراً له، كتقليد وشريعة دينية مطبقة في المجتمع، ولذلك لا تستطيع الدولة في الغالب التدخل إن لم يتم صياغة قانون يمنع المهر الذي يعتبر من شريعة الديانة الهندوسية الديانة المنتشرة في الهند والمتسببة حاليا في القضايا الإجرامية والإرهابية والعنيفة ضد المرأة، وبالرغم من أن المجتمع الهندي الحالي مجتمع علماني مدني في مجمل قوانينه، إلا أنه في هذه القضية لم يستطع السيطرة على وضع المرأة إلا بمحاولة بسيطة بدأت تظهر قليلاً بمساعدة منظمة حقوق الإنسان.

النقطة التي وددت طرحها حول هذا الموضوع أن وضع المرأة يتغير بحسب ثقافة المجتمع واقتصاده، ويتأثر بحسب تسلط جماعة على نظرتها الدونية ضد المرأة، ومحاولة شرعنة الاضطهاد ضدها في كل محاول منها للتحرر، وأن القانون يصاغ في المجتمع أو يتغير بحسب مصالح جماعة أو ثقافة مسيطرة في المجتمع، وللأسف فإن الكثير في مجتمعنا يعتبر حقوق الإنسان قوانين غربية لا يجب أن يتبناها العرب، فهل الحرية مقصورة على مجتمع دون آخر؟ وهل الإنسان يختلف عن إنسان آخر؟

نشرت في جريدة الرؤية بتاريخ 5/أغسطس/2013م

ليست هناك تعليقات: