أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الأربعاء، 24 أبريل 2013

هل التعليم المدرسي على حافة الهاوية؟!




لا يزال الطلبة يعانون من عدم تماشي اسلوب المنهج الدراسي الحالي مع التطور التقني الذي يحدث في العالم، وما اقصده الاعتماد الكلي على أسلوب التدريس القديم من حفظ وتلقين وابتعاد عن تطبيقه بالامثلة والتدريب والشرح على ارض الواقع. مثال عليه الاعتماد على الكتاب لإيصال المعلومة للطالب وبعد ذلك المذاكرة والحفظ اللذين ينهمك فيهما الطالب قبل موعد الامتحان بيوم، فينكب في محاولة منه لحفظ جميع المعلومات التي تلقاها خلال الفصل عن ظهر قلب من أجل أن تكون نتيجته بالامتحان ممتازة، مما يؤدي إلى تراكم المعلومات وارهاق للدماغ وبالتالي قد يسبب له الكثير من حالات الكآبة واليأس إن لم تكن النتيجة مرضية ومثلما يرغب بها، وكل هذا أسبابه تعود إلى أسلوب التعليم الذي اعتمدته المناهج الدراسية والمعلمين من تحفيظ وتلقين الطلبة للمعلومات أكثر من الاعتماد الكلي على الشرح وايصاله بصورة سلسة وواضحة على أكمل وجه للطالب، من خلال المناقشة والتحاور و التدريبات التطبيقية والعملية المبدعة والامثلة المبتكرة التي يستقيها من خلال البحث في البيئة، مثال عليه مادة الدراسات الاجتماعية للصف الخامس وتحديداً درس الخطوط والعرض، من الملاحظ أن الدرس يعتمد على أن يحفظ الطالب خطوط الطول والعرض الموجودة في العالم، وبالتالي ينهمك المعلم في الاعتماد الكلي على اسلوب الكتاب بدون وضع تقنية جديدة تضيف للطالب في تلك المرحلة المعلومة الجديدة بصورة واضحة وشيقة بالامثلة من المكان نفسه الذي يسكن فيه الطالب، من اجل شرح كيفية قراءة الخريطة أو من أجل معرفة موقعها الجغرافي على الارض، وبالتالي يضطر الطالب إلى حفظ المعلومة مثلما هي عليه بدون شرح كافي قادر على ضوئه الاستفادة منها في المستقبل، ولعلي اتساءل هنا كيف من الممكن لطالب في عمر 10 سنوات ان يستفيد من حفظ معلومة مهمة مثل هذه بدون الشرح والتوضيح والتفهيم؟ وكل هذا اسبابه تعود إلى اعتماد المعلم على الاسلوب القديم في التدريس عن طريق الورق والواجبات والاختبارات التي تجعل من المعلومة حاليا لا حاجة إليها، وما أقصده هنا أن شبكة الانترنت حالياً تقوم بهذا الواجب بدون الحاجة إلى معلم، ويتبقى للطالب فقط الاعتماد على أن يحفظ معلومات من أجل يحصل على درجات تؤهله لدخول مرحلة دراسية عليا كالجامعة أو الكلية.
إذن نحن بحاجة إلى تغيير ادوات المنهج الدراسي لتتماشى مع قدرات الطالب الحالية، فهو حالياً قادر على الوصول إلى أي معلومة يريدها عن طريق المواقع الالكترونية، كما أن هناك جامعات في الوقت حالي تعتمد على التعليم عن طريق التواصل الالكتروني من أجل شرح المحاضرات للطالب وهو في أي مكان، وهذه الطريقة سهلت للطالب الجامعي الوصول السريع للمحاضرة والاستفادة منها في أي وقت يشاء، فمع انتشار تكنولوجيا المعلومات وازدياد الصفحات والمواقع التي تعني بالتعليم اضحى التعليم عن طريق التقنية الالكترونية وفي المنزل من ضمن الدراسات المعتمدة والموثقة وبالتالي يسهل للمتلقي والمتعلم القيام بأكثر من عمل خلالها، وربما سيأتي يوم ينقرض فيها وجود المعلم في المدارس في ظل التطور بالتعليم التكنولوجي، فبحسبه بسيطة نجد أن تكلفة التعليم التكنولوجي أقل إذا وضعنا معلما واحدا لمادة معينة لجميع الطلبة في كل مدارس المنطقة عن طريق التعليم الالكتروني بمواقع تعليمية مميزة وذات خبرة في مجال التعليم التكنولوجي بديلا عن حضور المعلمين في المدرسة.
كما أننا بحاجة لتغيير أدوات المنهج وأسلوبه بسبب الضغط الذي يمارس على الطالب قبل واثناء فترة الامتحانات، فمن الملاحظ في هذه الفترة أن الدراسة أضحت في احدى صورها نوعا من أنواع العقاب للطالب فيمارس عليه الضغوط من اجل استيعاب جميع المعلومات وحفظها بصورة سريعة وفي ظرف قياسي قبل موعد الامتحان بليلة، كأن العلم والمعلومات التي أخذها خلال العام الدراسي هي سباق من أجل النتيجة وليس من أجل المعلومة، وبالتالي تكون فترة الامتحانات من أصعب الفترات التي يواجها الطالب وتظل في ذاكرته حتى وقت طويل، كما أن ذلك الضغط الذي مورس عليه من أجل النتيجة لن يفيده مستقبلا بسبب نقص المنهج الدراسي عن الاسلوب التطبيقي المبتكر والمبدع للدرس بالتدريبات والامثلة والبحوث، لذلك سرعان ما تتلاشى تلك المعلومات التي اعتمدت على الحفظ بدون الشرح ووجود الادوات اللازمة لإيصالها على اكمل وجه، ومع توافر شبكات الانترنت اصبحت المعلومة تصل للطالب الذي حصل على نتيجة متدنية بمنتهى السهولة وفي متناول الجميع بعد انتهائه من المرحلة الدراسية، إذن الاشكالية هنا في توفير بيئة مدرسية ابداعية ومنفتحة على كل الطرق الحديثة لمستجدات التعليم الحديث من أجل تهيئة الطالب القادر على التعاطي مع المعلومة بصورة واضحة في المرحلة العليا من الدراسة الجامعية، فالجو الجامعي يعتمد على المحاضرات والحوارات التي يجب أن يتهيأ لها الطالب خلال سنواته الدراسية السابقة، فالطالب حالياً ينتظر بفارغ الصبر نهاية اليوم الدراسي بسبب الضغوط والقيود التي تمارس عليه من صمت تام اثناء الحصة الدراسية فتصيبه حالة من عدم التفاعل والكسل والرغبة بانتهاء الحصة الدراسية بأسرع وقت ممكن، ولكن لو كانت الحصة الدراسية تعتمد على النقاش والحوار وتبادل الافكار ومشاركة جميع الطلبة فيها بصورة جماعية تحرك الجميع للإبداع والابتكار في مجال المادة لما سببت هذه الحالة للطالب.
ما نحن بحاجة إليه حاليا هو التعليم المبتكر الذي تكون أساسياته التفكير والابداع والتحاور، أما التلقين والحفظ والتوجيه فهو يأخذ الطالب إلى طريق ومنحنى الهاوية لأن المنهج الحالي خالي من تشجيع المناقشة وتبادل الآراء والافكار وتنمية القدرات الابداعية وخلق روح المنافسة الايجابية في البيئة المدرسية، فأسلوب التدريس واعطاء المعلومة يؤثر في المخرجات التعليمية للطلبة، وكل ما على وزارة التربية والتعليم هو تحفيز وتشجيع المدارس على ابتكار أساليب حديثة للتعليم عن طريقة المتابعة الشهرية للمدارس ووضع جوائز تشجيعية للمعلم المبتكر في مجال المادة، لأنها تلعب دوراً مهما في تحفيز المعلم والمدرسة على العطاء وتقديم المبتكر، كما أنها تغيير وتؤثر على سير العملية التعليمية للأفضل كي تتلاشى من ذهن الطالب صورة المعلم السلبية كملقن.

نشرت في جريدة الرؤية بتاريخ 24/ابريل/2013م 

الأربعاء، 17 أبريل 2013

بين شح الماء وانفجاراته ،،،، أزمة إدارة




تعرضت ولايتا السيب والمصنعة الأسبوع الماضي لأزمة مياه اختلفت حولها الأسباب والحجج، ولكنها اتفقت على وجود اهمال شديد لدى المؤسسات الحكومية عموماً والهيئة العامة للكهرباء والمياه خاصةً، تبين مقدار عجز الإدارة في معالجة الازمات التي من الممكن أن تتعرض لها السلطنة في المستقبل، وفيما يخص أزمة المياه من الملاحظ أن السلطنة وتحديداً مسقط تعرضت لمشاكل مختلفة تختص بالمياه، ظهرت بكثرة خلال الفترات الماضية، بصورة انذارات لضرورة السرعة في ايجاد حلول لآلية التعامل مع هكذا اوضاع في المستقبل، فالمشكلة ابتدأت منذ اشهر من خلال انفجارات انابيب المياه التي حدثت في منطقة الخوير، اظهرت عن وجود خلل في التخطيط وإدارة انابيب المياه لدى المؤسسة المشرفة عليها، انتهاءً بمشكلة انقطاع المياه عن ولايتي السيب والمصنعة.
وعند محاولة معرفة الأسباب الرئيسية لمثل هذه المشاكل فإن الأجوبة توضح حجم الوضع الخطير التي تمر به الهيئة من سوء تخطيط ودراسة، ففي أحد الاسباب التي ذكرتها الهيئة وحاولت توضيحها انصبت على أن سبب انقطاع المياه عن ولاية السيب خلال اليومين الفائتين يعود إلى زيادة الاستهلاك اليومي للمياه عن المعدل الطبيعي، بالاضافة إلى التوسع العمراني والصناعي الذي تصادف مع زيادة استهلاك المياه، تلك ربما تكون حجج منطقية في حالة عدم الاعتماد على الدراسة والتخطيط في مواجهة المصاعب، ولكن للاسف فأن الهيئة لم تعترف بوجود تقصير واضح من جانبها في تفعيل آلية تخطيط ودراسة المشاريع في مشكلة المياه، وهذا ليس فقط بالنسبة للمياه، بل هناك ايضاً ازمة انقطاعات الكهرباء المستمرة في المناطق التي تبين حجم الثغرات لسوء الادارة التي ما عادت تخفي على المواطن، فهل التعداد السكاني الذي تم العمل عليه خلال السنوات الماضية غير مجدي لمعرفة حجم الاستهلاك؟  ولتفادي مشكلة التضخم السكاني؟ فالتعداد لا يعمل على معرفة عدد السكان وحسب، بل من أهم فوائدة معرفة البنية الاساسية للسلطنة للعمل على وضع دراسات وبحوث وتخطيط مستمر حولها وعلى ضوء حجم المتغيرات في الزيادة السكانية وفي التغيرات الاقتصادية للبلد ، ومن هذا المنطلق اتساءل: هل السلطنة قادمة على مشكلة أزمة مياة أو أزمة إدارة المياه؟
الوضع الحالي للازمات التي تظهر للمواطن ما عادت من المجدي ترقيعها، فالمشاكل اليومية التي يتعرض لها الفرد من خلال أزمة مياة نتيجة إلى البطء في ايجاد الحلول للمشاكل التي يواجهها يومياً ( مثال على ذلك التوظيف وارتفاع غلاء المعيشة والحوادث المتكررة ) يجب التفعيل الجاد والسريع لآلية إدارة الازمات التي من الممكن أن لم يتم إيجاد حلول لها وبصورة سريعة ربما ستخلق كارثة تراكمية للمشاكل ذات الحلول المرقعة، والذي من الممكن أن يؤدي إلى انفجارات متواصلة للاحداث التي لم يتم حتى الآن التسريع في علاجها، كما أن النظام القديم الذي يسير العمل حاليا ما عاد قادر على سد الثغرات وتستر على المشاكل التي يتعرض لها المواطن، وما تحتاجه المؤسسات الحكومية في الوضع الحالي هو الانضباط داخل المؤسسة لأجل المواطن والوطن، بالتوسعة في مجال إدارة الازمات عن طريق المهارات والتقنية لتحديد وتقييم وفهم واستيعاب أي أزمة قد تؤثر على البلاد في المستقبل، فالمشاكل الحالية التي يتعرض لها الافراد من قبل المؤسسات الحكومية توضح حجم الثغرة التي تفصل بينهما وحجم الثغرة بين المؤسسات الحكومية وكيفية إدارة الأزمة بالخطط البديلة والتدريبات السريعة التي تكون دائما في حالة تأهب للأوضاع التي يمر فيه المجتمع، وما تحتاجة المؤسسات لإدارة الازمة ثلاث مراحل أولها تشخيص المشكلة بكل ابعادها، ثانياً اختيار استراتيجية مناسبة للعلاج، ثالثا وأخيراً تنفيذ الحلول والعملية مع ضرورة رصد المتغيرات فيها، فهل مؤسساتنا تفتقر لمثل هذه الاستراتيجيات؟
أن أول علاج لأي مشكلة تتمثل بالاعتراف بوجود الخطأ، وهذا ما يجب أن تعمل عليه المؤسسات الحكومية أو العامة كي تعزز مصداقية عملها، بالاضافة إلى ذلك فأنها تعمل على زيادة الثقة بين الافراد والمؤسسات، فالمؤسسة القادرة على احتواء المشكلة هي المؤسسة التي تبني علاقتها على اساس المصارحة والوعي بمكامن الخطأ أو الضعف في المؤسسة، فالاعتراف بالخطأ يدل على التفاعل المستمر لحل المشاكل التي من الطبيعي أن تتعرض له أية مؤسسة في العالم، ولكن للأسف فثقافة الاعتراف بالخطأ لا تشمل اعمالنا اليومية، بسبب الظن بأن الاعتراف بالخطأ ضعف قد يؤثر على نظرة الآخرين لنا، وتلك اشكالية مرتبطة بالتكوين الاجتماعي في الوطن، وما علينا سوى أن نتقبل اخطاءنا بصورة تجعلنا قادرين على تقبل الاعتراف به كي نستطيع أن ننزع من أنفسنا صفة التعالي واحتكار مفهوم الصح.


نشرت في جريدة الرؤية بتاريخ 17/ابريل/2013

الأربعاء، 10 أبريل 2013

القافزون


ربما يكون عنوان المقال مغلف بالغموض المندرج في كلمة "القافزون"، فالقفز هو الاعتلاء، وكسر خطوات الارض والجاذبية بالوثب إلى السماء، والإنسان منذ بدء التاريخ البشري يحاول الوصول إلى السماء بمختلف الطرق بداءاً من دراسة النجوم والكواكب حتى ممارسة رياضة القفز مروراً بالقفز الحر العكسي من الجبال والطائرات للأسفل كمغامرة محفوفة بالتشويق، انتهاءً بقفزة فيليكس القياسية من على ارتفاع 39 كيلومتر عن سطح الارض، وبذلك تطورت الابتكارات للمحاولات البشرية القفز بمختلف الطرق.
ولكن من أريد التحدث عنهم في مقالي هم فئة من الشباب المثقفين الموجدين في المجتمع، وأطلقت عليهم لقب القافزون، وأقصد بها القافزون ثقافياً عن جذور التاريخ والعادات والتقاليد لبعد مستقبلي يرغبون به الابتعاد عن الجمود بوثب بعيد المدى نحو القادم المتغير، ربما يكونوا فئة قليلة في المجتمع ولكن أفكارهم الحداثية والمتطورة والمتجددة احدثت فجوة عميقة لدى اصحاب الفكر المحافظ، فالفكر المحافظ يخشى المتغير ويخاف منه، يقلق من التجدد ويرى فيه بعداً غامضاً ومقلقاً لمبادئهم أو القيم التي استنبطوها عبر التاريخ، والتي يمارسوها عن طريق الوراثة والتلقين، والقافزون عن الجذور والتقاليد والافكار المحافظة يرون أن تلك الافكار لا تتناسب مع افكارهم ورؤيتهم الحداثية للحياة التي استنبطوها من الرغبة بالتغيير والتي ابتدأت بالتساؤلات العلمية والجدلية والفلسفية التي ما عادت اجوبة المحافظين تفي لسد حاجتهم للبحث الدائم عن تلك الاجوبة، وما عادت تلك الاجوبة تشبع القافزون أو تتسع لتطلعاتهم العلمية أو الفلسفية، فتلك الأجوبة المستهلكة أصبحت تثير الشكوك حول أمكانية أن تكون مزيفة ومصطنعة لا قيمة إنسانية لها وإنما تبرز حجم الجمود الذي وضع فيه الفكر في المجتمع.
"القافزون" هم فئات مختلفة فكرياً في تطلعاتهم، فهناك القافز علمياً وهو الذي يبحث عن أجوبة علمية لأفكاره، تشبع نهمه العلمي للكون والوجود، ولكن للأسف لا يجد في المجتمع من احتواء أو مساحة تتسع لضمه إلى أفراده، وهناك القافز فلسفياً الذي ما عادت الفلسفية المتوارثة تشبع اختلاف أفكاره عن الوجود وعن الذات، والقراءات التاريخية العالمية للفلسفة لا يجد لها آثرا في المجتمع رغم توافر الكتب حولها، وهؤلاء الفئات المختلفة من القافزون قد لا يستطيعون التصريح بأفكارهم ولذلك نجدهم منعزلين عن المجتمع، وأن صرحوا بأفكارهم نجد أن المجتمع غير قادر على استيعاب تلك التساؤلات أو الأفكار فيحدث تصادم بينهم وبين الافراد في المجتمع، فيواجه بالعنف الزاجر أو بتهميش الانعزالي.
سبب تسميتي لهم بالقافزون لأنهم بالنسبة إلي لايزالون بحاجة إلى قراءات تدعم تطلعاتهم وتفتت وتحلل الثقافة التي يرون فيها الجمود وعدم منطقيتها للأفكار والاحداث الإنسانية التي تحدث حولهم أو في العالم، فبعض القافزون قد يحرقون مراحل تاريخية لا تدعم وصول القافز إلى المكان بأمان، وهناك عبارة قد يكررها البعض رداً على نظرتي هذه " بأننا يجب أن نبدأ من حيث انتهى الأخرون"، ولكن ما هي تلك النهاية حتى نبدأ بتلك البداية، فالنهاية يجب أن تكون واضحة المعالم ولو بالفكرة حتى نستطيع أن ننطلق من نهايتها لبداية أكثر قوة وتماسكاً، فكل مرحلة تاريخية في الفلسفة وعلم الاجتماع هي المطور والمكمل لأفكارنا الحالية، فالتاريخ بالرغم من أن الكثير من الاقلام تلاعبت به، ولكنه له آثر في قدرته على تحرير الوعي من الجمود وذلك يحدث فقط حين نستطيع تسليط الضوء عليه بالتحليل والبحث والنقد الموضوعي.
هناك من القافزون المميزون في الثقافة الذين يحاولون بكتاباتهم ومقالاتهم أن يضيئوا الافكار بصورة صحيحة وسليمة تصل إلى جميع الافراد، وهناك محاولات من البعض في المجتمع من جماعة المحافظين لثنيهم عن قفزاتهم التاريخية، بالهجوم عليهم ومحاولة القضاء على تلك التحركات الفكرية التي نحن بأمس الحاجة إليه لنشر حق الاستقلال الفكري لجميع الافراد، فهؤلاء القافزون يحتاجون لمساحة من الحرية لطرح آرائهم بكل مصداقية ودراسة، فلهم رؤية بعيدة المدى عن الاحداث، كما أنهم يسلطون الضوء اثناء قفزهم عن وضع المجتمع الحالي وجموده التي قد لا يراها البعض أو قد يراها الآخرون ولكن لا يرغبون بتغيرها أو تسليط الضوء عليها، لكونها من التابوهات التي لا يجب أن تمس، وتساؤلات القافز قد تثير الشكوك حولها.
نحن بأمس الحاجة لإعادة النظر في المفاهيم والمدارك والقيم وفي استيعاب جميع الاختلافات الفكرية التي تبرز مع تطلعات الشباب، بالخروج من الاطر التي تأسرنا وتصنف أفكارنا في هويات ضيقة وصغيرة ومشوه، ولا يتم ذلك إلا بإفساح المجال نحو القافزون للوصول إلى أعالي السماء كرؤية تبرز أهم القفزات الفكرية وما هي تلك الرؤية التي استنبطت اثنائها، لتحرر الفكر من المفاهيم المستهلكة والمنغرسة في الأرض.

 نشرت بجريدة الرؤية بتاريخ 10/ابريل/2013

الأربعاء، 3 أبريل 2013

اليوم العالمي للتوحد


مرض التوحد من أكثر الامراض المنتشرة لدى فئة الاطفال تحديداً، ويعتبر حالياً من أخطر الأمراض التي يتعرض لها الدماغ، فهو يعطل أهم وظيفة بالدماغ لدى الطفل المتمثلة بالتواصل والتفاعل والشعور بما يحدث مع من حوله ومع العالم تباعاً، فالطفل الطبيعي اثناء مراحل نموه يعمل دماغه على تفسير الاشياء التي يراها ويلمسها، فيحاول تحديد رائحتها أو صوتها أو طعمها وملمسها، ولكن الطفل المصاب بمرض التوحد يصعب عليه فهم أو الاستماع أو اللعب أو تفسير وتعلم تلك الاشياء التي تتواجد من حوله، ومرض التوحد لا يعرف حدوداً جغرافية، وهو يؤثر في الافراد والاسر في كل قارة وفي كل بلد.
تختلف شدة اعراض مرض التوحد من طفل لأخر، فهي آحياناً تظهر بصورة الانزعاج أو الضيق الشديد من الاصوات العالية، وفي بعض الحالات لا تظهر لديها هذه الاعراض، ولكن قد تظهر لديهم بصورة عدم المقدرة على استيعاب العواطف أو فهمها وايصالها للآخرين، وبحسب الاحصائيات فأن طفلا من بين 88 طفل معرض لمرض التوحد، وتفيد التقارير كذلك بأن مرض التوحد أكثر شيوعاً لدى الذكور بنسبة 5 مرات عن الاناث، كما اظهرت الاحصائيات بأن الاطفال الذين يولدون من آباء كبار بالسن أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض، وهناك نسبة بسيطة بالنسبة للأطفال الذين يولدون قبل الأوان أو الاطفال الذين يولدون بوزن أقل، وتظهر بصورة واضحة لدى العوائل التي لديهم أمراض وراثية أو امراض في الكروموسات، كما تظهر اعراض اجتماعية اخرى لمرض التوحد متمثلة بصورة ضعف في التواصل مع أفراد العائلة بمعنى أن الطفل المصاب لا يهتم بوجود الآخرين ولا تظهر لديه مشاعر مثل الحزن أو الفرح كما أنه لا يحب أن يختلط مع الاطفال الآخرين، كما تظهر لديه صعوبة في النطق أو تكرار جملة وترديدها بدون وعي أو قد يكرر حركات بجسده وتستمر معه تلك الحركة أو الكلمة لفترة زمنية طويلة.
التوحد قد يؤدي إلى إعاقة تستمر طيلة حياة الفرد أن لم يتم معالجتها ومحاولة استيعاب أسبابها وتحديد الطرق الصحيحة الصحية اللازم توافرها لعلاج الحالة، ويرى الاطباء أن الاطفال المصابين بمرض التوحد يجب دمجهم مع الاطفال الغير مصابين ولكن بصورة يجب أن تتوافر فيها الادوات والكادر الوظيفي التخصصي المدرب على التعامل مع مثل هذه الحالات، فهناك اعراض تظهر بصورة تشنجات لاإرادية مثل نوبات اهتزاز ونوبات عنيفة يمكن أن تعالج وتدار اذا بذل الافراد والكادر التخصصي الفهم والاستيعاب لتلك الحالات، وأفضل علاج لمرض التوحد باعتباره ليس مرض وانما حالة فريدة تستوجب الاهتمام والمتابعة وطولة البال من قبل الاشخاص المتواجدين حول "المريض".
وكنوع من التوعية للأفراد عالمياً تم تحديد الثاني من أبريل (يوم أمس ) من كل عام يوماً لمرض التوحد، للإشارة إليه وتسليط الضوء عليه من أجل رفع مستوى الافراد عن مرض التوحد واهمية السرعة في استيعاب اسبابه ومعالجته، وفي عام 2010 أضاءه منظمة  Autism Speaks اللون الازرق على حملة للتعريف عن المرض والتوعية حوله، وانارة المباني البارزة حول العالم باللون الازرق تضامناً مع هذه الحملة، وأصبح اللون الازرق لون التضامن والتعريف عن مرض التوحد.
نحن بأمس الحاجة إلى حملات توعية عن مرض التوحد، فأغلب الافراد للأسف يجهلون عن المرض وأسبابه أو ما هي الحلول التي تساعد الأسر المعرضة أطفالهم إليه على التكيف داخل المنزل أو خارجه، كما أنهم بأمس الحاجة للاستماع إلى مطالبهم، بالإضافة إلى تقديم ندوات ودراسات متخصصة حوله، وطرح أحدث المستجدات العلمية والعلاجية في مجال التوحد، فنحن تنقصنا للأسف المراكز البحثية التي تعنى بتشخيص الحالات وطرق علاجها والتوعية حولها، مع ضرورة مشاركة خبرات عالمية من دول اخرى تساهم في خلق تواصل يساعد على سرعة تشخيص الحالة، ويجب على وزارة الصحة وضع احصائية تحدد نسبة انتشار مرض التوحد في السلطنة لاستيعابها وتشخيصها بصورة صحية ومرضية ومواجهة التحديات والصعوبات التي تواجهه، وتوفير كادر طبي متخصص قادر على التعامل واستيعاب وفهم مثل هذه الحالات، ولا يتم ذلك إلا بتوفير الجهود العلمية والعملية المدروسة.
ولتسليط الضوء حول مرض التوحد ستقام في الثامن والتاسع من هذا الشهر في معهد القضاء العالي بمحافظة الداخلية ولاية نزوى ندوة تعريفية عنه من قبل المديرية العامة للتربية والتعليم يحاضر فيها مجموعة من المتخصصين حول هذا المرض.

نشرت في جريدة الرؤية بتاريخ 3/ ابريل/2013