أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الأربعاء، 12 ديسمبر 2012

المغيب ( المغصوب )



تتداول القصص الأسطورية العمانية شخصية ( المغيب - المغصوب )، وبحسب الروايات فإن المغيب هو إنسان مسحور يظن أهله أنه فارق الحياة ويتم دفنه، ولكنه يظهر إليهم في ساعات الليل المتأخرة، يتمشى في البيت وبين الغرف وفي السيوح والجبال، وقد تستمر رؤيته من قبل من يعرفوه  لسنوات طويلة، وبحسب الروايات كذلك فإن ذاك الإنسان المغيب قد تم سحره من أحد شيوخ السحرة الكبار، لأسباب قد تكون شخصية أو مادية، ولا يستطيع أحد مساعدته أو إرجاعه للحياة.  
والمدهش في اسطورة قصة المغيب حين يتم سحره فأنه يتنقل في المكان بدون عقل أو إدراك لمن حوله، فبحسب ما يتداوله الناس فأن المغيب تارة يكون ممتطياً حماراً ويتنقل في حارات البلدة، وتارة أخرى يكون هائما على وجه بدون وعي، بالإضافة إلى أن البعض اضاف مسمى ( مأكول ) لذلك المغيب، أي أن عقله وروحه قد أكلت من قبل ساحر.
 التاريخ ذكر المغيب ( المغصوب ) في مجتمعات مختلفة من العالم وعلى مرور الزمن حتى الوقت الحالي، كأفريقيا وشرق آسيا، وبأسماء مختلفة مثال عليه ( الزومبي/ ومصاصي الدماء/ والاشباح ) الأموات الاحياء، وهناك الكثير من القبور  وضعت مع الجثة أدوات يعتقد فيه الناس أن الإنسان ربما سيرجع للحياة وسيحتاجها في حينها مثال عليه مقابر الفراعنة، وهناك مقالات علمية ونفسية عديدة حاولت تحليل الأسباب التي تجعل الإنسان يؤمن بعودته للحياة بتلك الطريقة، كما أن هناك افلام وثائقية توضح وتشرح تاريخ ومنشأ مثل هذه المعتقدات على سبيل المثال: Zombies: A Living History (ZOMBIE DOCUMENTARY!).
يؤمن البعض بأسطورة المغيب ( المغصوب)، لعدم مقدرته على استيعاب مفهوم الموت على أنها نهاية الإنسان، فيعتقد بالسحر والشعوذة التي تستطيع أن تجعل الإنسان يعود للحياة، وكانت ديانة الفودو المنتشرة في افريقيا تؤمن بالأرواح، ومقدرتها على التأثير في الناس وضرهم، وربما تكون هذه المعتقدات هي من أوصلت خرافة المغيب إلى المجتمع العماني، بسبب التواصل التاريخي السابق بين عمان وافريقيا، مما أدى إلى استيراد معتقداتهم مع بقية اشكال التواصل التي كانت بينهم.
فَقدُ إنسان عزيز وموته يجعل الإنسان في حالة عاطفية شديدةً، تؤدي به إلى حالة من اللاوعي وتتأثر طريقة تفكيره فيخلق الأوهام والخيالات التي تجعله دائم البحث عن طيف يوصله إلى من فقده بأية وسيلة وطريقة، وخوفه الداخلي من الموت وعدم مقدرته على استيعاب تلك المرحلة الضرورية للحياة تجعله يصطدم بالأوهام والشعوذة والقصص الخرافية التي تصور الحياة بعد الموت، وإبعاد المنطق والعقلانية في مثل هذه الحالة، فالموت ظاهرة طبيعية ولكن الرعب الذي يتملك الإنسان من حالة جسده بعدها ( التحلل والتلاشي في الارض) يجعله يفصل تلك المرحلة الطبيعية ويتمسك بأي وهم وخرافة تخالف العقل وتجعله يستمر في الحياة، وبالتالي خلقت تداعيات شديدة تطورت على مرور الزمن في جميع أدوات حياته، فذلك الخوف من الموت وخلق الاساطير والاوهام عليها جعله مغيبا فعليا عن الوعي لما حوله، فالوهم والخرافة جعله غير مسؤول عن افعاله، بل خلق له قوى تسيطر عليه وهي السبب لما يحدث له من مشاكل وصعوبات حين لا يستطيع ادراك واستيعاب ما حوله، فحين يتطور الإنسان من بداية المرحلة الطفولة فسيولوجيا على الخيال والاوهام والخوف تتجمد مقدرته الاستيعابية على استيعاب المنطق والعقل والتحليل لمدركات الامور ويفقد الموضوعية في مسار حياته، فيهرب من أية مشكلة قد تواجه بتصورات وهمية تجعل من حوله يتعاطف معه.
يجب أن يكون الإنسان مدركا ومسؤولا عن افعاله وأفكاره، وفكرة المغيب ( المغصوب) وغيرها من خرافات تفقد الوعي العلمي والمنطقي لفكرة الموت أو الامراض أو الافعال، التي هي جدلية ضرورية لاستمرار الحياة، كما أن فكرة المغيب تؤدي إلى أن تسيطر على الفرد فكرة وجود قوى خرافية قادرة على إلحاق الأذى به، فتهدده تلك الفكرة في كل افعاله وأفكاره، وربما تستفيد منها جماعة السحر والشعوذة للسيطرة عليه واستنزاف وقته وماله وفكرة، فيصبح تابعا لهذه الجماعة ينفذ أوامرها ويروج لها، كما أن تلك الجماعة تتبنى قصصا خرافية بعد أن فقد الإنسان مقدرته على الوعي وإدراك الأمور والإيمان بمسؤوليته التامة عن كل أفعاله.
وللأسف فأن تداعيات الإيمان بهذه الخرافات أثرت بتفكير الفرد في المجتمع ومقدرته على تحمل مسؤولية أعماله كردة فعل انعكاسيه على الإيمان بتلك المعتقدات، فأصبح كالمغيب الفعلي عن أدراك أحقيته في أثبات حقوقه وواجباته، وترك أموره تسيرها جماعات وهمية بعيدة كل البعد عن المنطق والعقلانية  لمجريات الحياة.

نشر في جريدة الرؤية بتاريخ 12/ ديسمبر /2012

ليست هناك تعليقات: