أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

سجين الرأي



السجون وسيلة استخدمتها البشرية منذ الأف السنين لاعتقال وإزالة الحرية الشخصية من الناس المسجونين، وقد تستمر لفترة زمنية معينة أو مؤبد ، أو حتى موعد الإعدام، وقد تختلف الاسباب الذي يزج فيها الفرد إلى السجن، من افعال اجرامية ( سرقة ، قتل ، ارهاب ، اغتصاب. الخ) إلى اسباب سياسية ( اسرى حرب، معارضين ، خونة. الخ )، كما أن الحضارات القديمة كانت تستخدم السجين كالعبيد  ليبنوا المباني، أو مثل الحضارة الرومانية التي استخدمت المساجين في حلبة المصارعة بعد تدريبهم على القتال مع بعضهم البعض أو مع الحيوانات المفترسة.
وفي عام 1215 اصدر الملك (ماغنا كارتا)  قانونا ينص على أنه لا يمكن سجن أي إنسان دون محاكمة، بعد أن كان في السابق يتم زج الافراد في السجن بدون حتى توجيه تهمة أو محاكمه، وقد ساهم هذا القانون في صناعة وصياغة التشريعات القانونية، من البراءة إلى مدة الحبس أو الاعدام، فأصبحت مدد السجون تتزايد بتزايد الجرائم وفي بعض الاحيان وفقا للتعسف والقمع التي تمارسه بعض الحكومات القمعية ضد افرادها، وقد تزداد القسوة بداخل اروقتها بتزايد الامراض النفسية التي تتملك سجانها.
المتتبع لتاريخ السجون يجد أن البشرية قادرة على أن تضع قوانين تزج ايا كان في السجن إن كانت تملك سلطة تخولها التحكم في مصائر الناس، فالسجن وإن كان وسيلة قانونية ومن أجل فرض النظام، وعقاب كل من خولت له نفسه التعدي على الآخرين، ولكنه قد يقع احيانا في معضلة اهواء السلطة الحاكمة، فيكون القانون اعمى عن احداث القضية واسبابها، فتصدرُ أحكام تعسفية المقصد منها القضاء وإقصاء كل من يحاول زحزحة تلك السلطة عن الكرسي، فالتاريخ كشف عن ممارسات وحشية تتطول كل من كان له رأي افصح عنه كحرية التعبير عن ما يجول في فكره من رؤية أو رأي يود تقديمه للناس حول وضع الوطن أو وضع الشعب، فتقطع لسانه أن تحدث وتقطع أصابعه إن كتب منشور وغالبا ما يعذب حتى الموت.
حرية الرأي هي حرية التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام والكتابة والاعمال الفنية، بدون قيود، بشرط أن تمثل في مضمونها الأفكار والآراء الإنسانية، وهي حق إنساني يحتاجه الإنسان من أجل تنمية أفكاره ومجتمعه، وحرية الرأي اسهمت عبر التاريخ في تطور الحضارة الإنسانية منذ القدم، وهي تكفل المساواة بين الجميع بدون تميز، ويعتبر الفيلسوف جون ستيورات من اوائل المنادين بحرية التعبير حين قال ( إذا كان كل البشر يمتلكون رأياً واحداً وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفاً فإن إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل البشر إذا توفرت له القوة)، وقصد الفيلسوف ستيورات هنا أن قمع حرية الرأي هي أسلوب يستخدمه الطغاة، بالإضافة لا يجب أن تكون حرية الرأي يقصد منها إلحاق الضرر والأذى والتعدي على حريات الغير.
الأحداث الماضية التي تداولتها الصحف العربية والمحلية والمواقع الالكترونية حول الظن أن حرية الرأي ثورة وليست حق لكل فرد في الوطن، واعتبارها احداث تم استيرادها من المجتمعات العالمية هي اجحاف في قدرات الافراد في المجتمع حول حرياتهم، فأدوات حرية الرأي تطورت بالتطور التكنولوجي الذي يعم كل المعارف العملية والعلمية في المجتمع، وسهولة التواصل بين الافراد عن طريق التقنية والمؤسسات الاعلامية (الصحافة) ساهمت على انتشارها وتنميتها، ولكن للأسف تملكت بعض الجماعات السلطوية الرعب والخوف من تلك الحرية حين وضعت للرأي سجن، فأصبح هناك سجناء رأي في أغلب الدول العربية، وهي تسمية أطلقت على من يقول رأياً فيتعرض للاعتقال والسجن، وغضوا الطرف عن رؤية ابعاد تلك الرؤية ومصلحتها للمجتمع والوطن وكحق إنساني شرعتها الحضارات الإنسانية والمجتمعات المدنية، فأي وطن ذاك الذي يخشى سماء الحرية في مجتمعه؟ واي وطن ذاك الذي تختلط لديه مصلحة افراده ويضيع في مفردات يختلقها كالأعور الذي يخشى أن يكتشف أن عينه الأخرى تبصر فيضع عليها خرقه سوداء، فأولئك الشباب الذي وقفوا وقفة سلمية من أجل حرية الرأي لم يكن يقصدوا الاخلال بالأمن بل وثقوا بأن الوطن قادر على الإنصات إليهم، ووقفوا تحت أشعة الشمس وفي العلن، فحتى متى سوء الفهم الحاصل بين حرية الرأي والتشريعات القانونية الغامضة؟ أن استمر الوضع على ما هو عليه سيتجمد الفكر وسيكون سجين بؤرة قد تؤدي إلى هلاكه.
الأمن هو وجود حرية الرأي وليس سجناء الرأي، والوطن في أشد الحاجة الآن للإنصات للجميع واستيعاب اراء الشباب التي ترغب رؤية وطنها من أفضل الأوطان، والمتمثل بكون الحرية هي أهم منطلقاتها.


نشر في جريدة الرؤية بتاريخ 19/ ديسمبر/2012

هناك تعليق واحد:

عبدالله الدللو يقول...

تحية طيبة:
"حرية الرأي هي حرية التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام والكتابة والاعمال الفنية، بدون قيود، بشرط أن تمثل في مضمونها الأفكار والآراء الإنسانية"
كيف يمكن لحرية الرأي ان تشترط أمرا غير محدد؟؟
ما معنى أن تمثل في مضمونها الافكار والارء الانسانية؟؟ كل مايصدر عن الانسان هو رأي انساني، الانسانية ليست منظومة أو فكرة واضحة ولا محددة بحيث يستطيع المرء نسبة الاشياء اليها، ربما سيضع البعض شروطا للانسانية او حدودا .. عندها، نكون قد قيدنا كل رأي لا يلتزم بها، بالمقابل ... هل يمكن اعتبار كل كلام مرسل رأي يجب احترامه وعدم المساس بصاحبه؟؟
شكرا لك