أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الأربعاء، 5 ديسمبر 2012

مدخل إلى ثقافة الخوف (2)





متابعة للمقال السابق حول الدراسة التي نشرها الباحث الدكتور/ أحمد محمد عقلة الزبون، حول ثقافة الخوف وسيكولوجية الطفولة، نأتي إلى ذكر مثيرات ثقافة الخوف الطفولي، وبحسب الدراسة فأن أهم وأبرز المثيرات هي:
-    المثيرات الحسية والمقصود بها المثيرات التي تسبب الخوف عن طريق الحواس الخمس المعروفة، مثال عليه الخوف من الضوضاء والأصوات العالية، والخوف من الظلام لارتباطه بالمجهول فيخاف الاصطدام بشيء أو أن يصاب بشيء قد يعترضه، مما قد يؤدي إلى خوف دائما لارتباطه بذكريات مخيفة مثل قصص الجن والعفاريت واللصوص، والخوف من الحيوانات التي لم يألف الطفل وجودها من حوله في بيئته.
-    المثيرات غير الحسية والمقصود بها التي لا يمكن أدراك حقيقته كالخوف من الموت أو الخوف من العفاريت ونار جهنم، مثال عليه الخوف من القصص والأساطير الخرافية التي يكون بطل القصة فيه شبح أو جن فتكون تلك القصة وقود لمخاوف الطفل فإذا تحرك أي شيء من حوله أو سمع صوتاً غريباً فأول ما يتخيل إليه هو الشبح أو الجن جاء ليروعه ويؤذيه، والخوف من عالم الأرواح والسحر الذي يعتبر من أبرز العوامل المثيرة لثقافة الخوف الطفولي، فهو يشكل ذعراً ليس لهم فقط بل للكبار الذين تتملكهم عقيدة شائعة تقول إن استخدام السحر يمكن أن يؤدي إلى عدة أمور منها الحيلولة دون تحقيق أهداف المرء في الحياة وبلوغ مرحلة النجاح والتفوق.
-    المثيرات المدرسية والمقصود بها الخوف من الامتحان، قد يكون طبيعي ولكن قد يبلغ أشده حين تظهر مخاوف أضافية له كالخوف من التعرض للعقاب أو السخرية أن فشل في الامتحان، فهذه المثيرات تفقده الثقة بالنفس ومقدرته على وضعه بالامتحان.
-    المثيرات الصحية كالخوف من الإصابة بالمرض، ويعد من أقوى العوامل التي تقف وراء ثقافة الخوف الطفولي، فالطفل شديد الحساسية من خوفه بإصابة أحد أعضاء جسمه، فالطفل يرغب بمعرفة الأسباب التي أدت إلى إصابته بالمرض، فحين يرى رجلاً معوقاً يثير لديه التساؤلات حول أسباب إصابته ثم يبدأ بالتفكير إذا كان من الممكن إصابته بهذه الإصابة فتتحول حياته إلى هلع ورعب من أي مرض ويخشى أي عدوى، خصوصا حين لا يستطيع الأهل توصيل المعلومة الصحيحة لأسباب تلك الإصابة أو المرض أو قد يعتمد بعض الأهل أسلوب تخويف الطفل من تلك الإصابة أو المرض، وكذلك الخوف من الموت فإذا فوجئ الطفل بموت عزيز عليه وظهر على أحد أفراد الأسرة من الكبار علامات الخوف الشديد من الموت، تهتز مشاعر الطفل بالأمن والطمأنينة خصوصا لو كان المتوفى والده أو والدته، فذلك كفيل بجعله يخاف من العزلة، فالموت مظهر من مظاهر العزلة، والطفل يتألم من مظاهر العزلة التي يتصف بها الموت، وطقوس الحزن على الفقيد وكثرة البكاء وإظهار الآلام والعزاء لعدة أيام، فهذه المظاهر تجعل الطفل يتقمص حدوث الموت ويتوقعه ويخشاه.
-    المثيرات الأسرية كالخوف من الانفصال عن الأم، فهذا يعد تهديداً على سلامته، ورجوعها إليه مرتبط بعودة أمنه وطمأنينته، والانفصال المتكرر يحدث جرحاً بالغ في نفسيته، خاصة أن أعتمد أحد الوالدين كأسلوب تهديد الطفل بالانفصال عنه، فهذه التهديدات تسبب في الطفل شعوراً عن اعتقاده بأن والديه سيختفيان عنه يوماً ما.
كما ذكرت الدراسة طرق لمواجهة الخوف الطفولي، مثال عليه مشاهدة النماذج على الكيفية التي من الممكن على الطفل التعامل دون خوف مع المواقف التي تسبب له الخوف، عن طريق وضع نماذج وأمثلة تساعده على إدراك الموقف، بالإضافة إلى التدريب على مواجهة المخاوف التي تعرض لها الطفل على شكل ألعاب أو التمثيل للتعبير عن المشاعر والتحكم فيها، كما أن امتداح الطفل من قبل الكبار على مقدرته على تجاوز المخاوف يعتبر معزز من مقدرتهم على تجاوز مخاوفهم، واستعمال الخيال الايجابي كالقصص المشوقة أو الرحلات الممتعة يقضي على توتره ويزيل مخاوفه وتنمي لديه مقدرته على تحمل المشاكل والتغلب على المخاطر، كما إن مكافأة الطفل على السلوك الشجاع من الطرق الفعالة لمواجهة ثقافة الخوف الطفولي، فيجب أن يمتدح الطفل على كل خطوة شجاعة وتقديم مكافأة مادية له حين يظهر مدى شجاعته في موقف كان يتخوف منه، وتضيف الدراسة طريقة من الجيد أن يستخدمها الطفل حين يتعرض للشعور بالخوف وهو أن يتحدث مع نفسه بأن تلك المخاوف لا أساس لها من الصحة ولا وجود لها كي يشعر بالتحسن.
هذه الدراسة من الأهمية بحيث أنها أوضحت الأسباب وطرق علاج ثقافة الخوف الطفولي التي يتعرض لها الطفل، فالخوف غالبا ما يحد من مقدرة المرء على الإبداع والتقدم في حياته أو استقبال الحديث والجديد بعد أن سيطرت لديه فكرة الجمود والرضا بالمتعارف عليه وعلى أغلب الناس من حوله، فحين ينشأ المرء منذ الصغر على فكرة الأوهام والأساطير سيؤدي إلى أن يبرر أي فعل أدى إلى فشله إلى أسباب غير عقلانية أو منطقية، ومن ثم تخلق بيئة مريضة بالوهم والخوف، مما يؤدي غالبا إلى عدم مقدرته على مواجهة تلك المخاوف لإيمانه بها و سيطرتها على حياته وحياة الأفراد من حوله، فثقافة الخوف تؤدي إلى الإيمان والاعتقاد الشديد بالخوف، وقد تنشئ الفرد على أخلاقيات مبدئها الخوف من المجهول والخرافات والأساطير والعقاب، فحين تنشئ الفرد في بيئة تخشى من تقبل الأفكار وتحارب المستحدث والجديد، وتصل إلى قتل أية فكرة ترغب بالتفرد والتميز عن المتعارف عليه فتلك إشكالية سببها ثقافة الخوف، ولكن هذه الإشكالية تصبح خطيرة جداً حين تؤدي إلى القتل أو التسبب بإصابة الأفراد حاولوا الخروج من دائرة الخوف التي يخلقها مجتمع لا يرغب بالخروج عن تلك المبادئ التي رسمتها ثقافة الخوف في حياتهم، ونحن بحاجة إلى الإصغاء إلى ذواتنا وإلى تعزيز فكرة تقبل الاختلاف وعدم الخشية منه.

نشرت بجريدة الرؤية بتاريخ : 21/ نوفمبر/2012

ليست هناك تعليقات: