أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

السبت، 26 فبراير 2011

الموسيقى جزء منا (2-2)




هل تأخذ الموسيقي أهميتها ومكانتها في مجتمعنا كواجهة حضارية تعنى بنشر الثقافة الموسيقية الجادة؟ وكيف يدرك المجتمع أهمية الثقافة الموسيقية والأساس مفقود و غير مدرك؟ لأننا نعلم أنه لا بناء من غير أساس قوي.
من المعروف لدينا أن هناك اهتماما كبيرا من قبل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم –حفظه الله ورعاه- بالفن عموما والموسيقى خصوصا، من خلال رعايته لها، وهو ما أسفر عن نتاجات مهمة في رعاية الموسيقى منها إنشاء فرقة الاوركسترا السيمفونية السلطانية التي تأسست سنة 1985 ذات النشاطات المميزة، والتي تقدم أجمل المعزوفات العالمية للمتذوقين للموسيقى الكلاسيكية، إنشاء جمعية هواة العود وتنفيذ مهرجان العود، البث الإذاعي لبرنامج الموسيقى الكلاسيكية التي تذيع أجمل وأشهر المعزوفات الكلاسيكية مع تعريف بالفرق التي تعزفها، وإنشاء دار الأوبرا السلطانية المقرر افتتاحها بشهر أكتوبر 2011م، وهذا الحدث سيعتبر من أهم النقلات الموسيقية في السلطنة والتي بدأ الاهتمام الجلي بها بموسم ما قبل الافتتاح من عروض مميزة أذهلت متذوقي الموسيقى بجميع أشكالها الراقية.
بالرغم من وجود تلك النماذج نتفاجأ بالأسلوب الذي تتعامل معه بعض المؤسسات مع الموسيقى، وكيفية إغفالها لدورها في تطوير ورقي الفن الموسيقي لدى الأفراد. وتتجاهل الدور المنوط بها في أهمية نشر الوعي لدى أبناء البلاد، فإبراز الفن وتنمية المواهب الموسيقية أحد أهم المجالات التي يجب أن تعنى وتعمل بها التربية والتعليم في أي مجتمع، بتخصيصها برامج تسهل و تدعم تلك المواهب لمواصلة دراساتها الأكاديمية الموسيقية، ومع هذا نلاحظ غالباً أن حصة الموسيقى من الحصص المهملة من قبل بعض المدارس وفي تراجع مستمر، حتى تكاد أن تكون غير موجودة في الجدول الدراسي لدى الطالب بسبب إهمال الإدارة المدرسية التي قد لا تدرك أن حصة الموسيقى ليست حصة فراغ وتكاسل للطالب أو غير مهمة، بل تبرز أهميتها في تحسين سلوك الطلاب وتحسن ذاكرتهم، فقد أشارت دراسة كندية أن الأطفال الذين تلقوا دروساً موسيقية على مدار عام تحسنت لديهم مهارات الذاكرة العامة والتي ترتبط بقدرات عقلية لا علاقة لها بالموسيقى مثل القراءة والذاكرة اللغوية والإدراك البصري والمكاني والمهارات الرياضية ومعدل الذكاء. لابد أن تعمل وزارة التربية والتعليم على تحسين هذه المادة ووضع خطط وبرامج لإيصالها للطالب بطريقة علمية جميلة وسهلة في كل مرحلة دراسية، بالتعرف على الألحان والإيقاع والسلم الموسيقي وغيرها من علوم مختصة بالفن الموسيقي. فهي سبيل مهم في نضج الشخصية والحس التذوقي بمجمل الفنون. وتربي الطالب على التوازن وحسن التفكير. كما يجب توفير الآلات الموسيقية التي يحتاج إليها المنهج الدراسي، ففي الغالب لا تتوفر بصورة جيدة وبحالة ممتازة للاستخدام التعليمي، وبالتالي فإن الطالب غالباً ما تنعدم لديه المعرفة بالفنون والآلات الشعبية والتطور الذي حدث لها. 
نأتي إلى الدور الإعلامي بواجبه وأهميته في التواصل مع وزارة التربية والتعليم لإظهار تلك المواهب وتشجيعها لدى الشباب ودعم وتطوير الموسيقى بجميع ومختلف أشكالها ومحاولة كسر الجمود وعدم الاعتماد فقط على التقليدي، فالتنوع والتواصل أساس الإبداع، ومن المهم توفير أحدث ما توصل إليه العلم الموسيقي مع التكنولوجيا في إنتاج أعمال مميزة تدعم موهبة التلحين والفن الموسيقي. كما يهمني أن أشير بضرورة تواجد نقابة تهتم بدعم تلك المواهب مادياً ومتابعتهم والاهتمام بالمشكلات التي قد تؤثر على أعمالهم.

ولا يجب أن يغيب عن البال الدور الأساسي الأول والمهم وهو دور الأسرة الذي يساعد في تنمية المواهب واكتشافها ومن ثم رعايتها والتي تساعد على صقلها لدى الطفل ونقل التراث الثقافي والفن الموسيقي بين الأجيال، ومساعدته في العناية والاهتمام بها والتي تؤدي إلى تشكيل شخصيته والثقة بذاته والإسهام في تنمية الذائقة الفنية لديه، كما أنها تعزز مقدرته المعرفية في بحث واكتشاف أعذب الألحان والفنون. 

الجمود في التفكير وعدم مواكبة التطورات أو ممانعة حريات الآخرين في إبراز مواهبهم وإبداعهم تلك هي صفات وأفكار هادمة للحضارات ومن المهم للفرد والمجتمع التخلص من هكذا بذور قد تؤثر على مسيرة الحرية الإنسانية. تغذية الفرد والمجتمعات بأحدث الثورات الإنسانية والتسامح التي تساهم كثيراً في دفع عجلة التقدم والتطور إلى الأمام، وإلى الإنتاج وتحسين طاقاتهم الإبداعية، لتوظيفها لصالح التنمية كأفضل استثمار معرفي وإنجاز مكتسب فعال. واحتواء وتقبل الآخر بمختلف التحولات والاختلافات كأساس في إثراء وبناء الحضارات. فالموسيقى احد المكونات الطبيعية والتي هي جزء منا وفي التكوين الإنساني. فالإنسان مشاعر والموسيقى مشاعر وكلاهما مرتبطان بالآخر، وحتى لكنتنا اللغوية نوع موسيقي للحن تتميز به كل منطقة من مناطقنا بأسلوب مميز في النطق أو التحدث، والتاريخ الموسيقي لدى الحضارات له دور فعال عند مختلف الشعوب، فالأفراح والحروب والمآسي وغيرها استحدثت له أساليب موسيقية تُعبر عنها بأنماط مختلفة، وأبرزها الفلامنكو التي تعبر موسيقاه وأغانيه عن الحزن والكآبة بسبب الاضطهاد والظلم الذي كان يتعرض له الغجر الأسباني.   
 
أصبحت الكثير من الشركات العالمية تعتمد على وضع الموسيقى في مكاتبها ومصانعها لتنشيط من قوة العمال والموظفين لزيادة الإنتاج والخبرة كما تساعد الموظف على الثقة بقدراته وتهدئة الأعصاب. وبما أن التربية الموسيقية تؤدي إلى التفكير العميق لإنتاج أروع الألحان إذن هي مساهمة كبيرة في إثراء الإنتاج البشري بالتنوع والإبداع اللذين يؤثران تباعاً في المنظومة الحضارية للمجتمعات. 

نشرت في جريدة الرؤية/ ملحق رؤى

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

تحية لصاحب الجلالة لوجود اذاعة الموسيقى الكلاسيكية لأنها شريان حياة وأتمنى أن يستمر ارسالها على مدى الأربعة والعشرون ساعة.
تحية لك سيدتى على هذه المدونة الجريئة لأن كل مافيها لايتوافق مع أصحاب العمائم والذين يعيقون الكثير من قوانين وقرارات تسعى لتطور المجتمع ومالرقى بكرامة وانسانية المواطن .

تحية من القلب لك

Räumung يقول...

شكرا ع الموضوع