أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

السبت، 26 فبراير 2011

وجهة نظر حول الصحافة العمانية






لا تزال الصحافة العمانية تخطو خطوات التكوين الجنيني في رحم حرية الكتابة، فهي لا تزال تكابد الكثير من الحذر والخجل، وبالرغم من وجود كتابات وبحوث مميزة في التاريخ العماني، ولكن تفتقر كتاباتنا وبحوثنا حاليا للنظرة إلى مشكلات الحاضر وتغيراته وأثره على مجمل الفرد العادي، ولذلك نحن بحاجة ماسة إلى الكتابات التي تعنى بكل مظاهر الحياة سواء كانت ثائرة أو مؤيدة لجوانب الحياة اجتماعية أو سياسية أو دينية وغيرها.
على الرغم من وجود جميع الأدوات التي تجعل  القارئ العماني مؤهلا ليحاور أو ينتقد أو يؤيد، إلا أنه في الغالب لا يزال غير قادر على استيعاب الكثير من الأطروحات وتقبّل الاختلافات، وغالباً ما يصب كل اهتمامه على العادات والبؤرة الأخلاقية في المفردات والتعريفات، وكثيرا ما يرفض الانفتاح الشامل على الثقافات المغايرة والواسعة لجميع القضايا الكبرى "علمية أو أدبية"، ويبحث عن أقلام الفضائح أو الفضح، فتصبح مهمة الكاتب البحث عن التشويق مهما كانت بعيدة عن الحقيقة أو الأساسيات المعرفية للنشر. 
هناك الكثير من الهموم والمشاغل الحياتية التي تجعل القارئ العماني ينصرف عن الارتواء بالقراءة، وهذا قد يشكل تحديا أمام الكاتب بسبب أن ما يمكن أن يغري القارئ المحلي هو أن يرى قضاياه الساخنة مطروحة أمامه، وأن تسعى الصحافة لطرح وعلاج المشكلات التي تواجه الناس في إطار من الشفافية والبحث عن الحقيقة. يقول الروائي والناقد الفرنسي  موريس بلانشو: "يعبّر المؤلف عن نفسه ضدّ كلام وبفضل كلام لا ينقطع، كلام لا بداية له ولا نهاية، متوجّها نحو كلام لن يكون كلام أحد، مخاطبا دوما أحدا آخر مذكّرا من يستقبله بآخر جاعلا إياه في انتظار شيء آخر، إنما هي حركة كلام لا أصل له ولا مالك، كلام يفضل الامتناع عن القول بدل الزعم بالإحاطة بكلّ شيء". إذن هناك حاجة إلى إرواء عطش القراء بالبحث عن القضايا التي تعنيهم ومحاولة الإلمام بحاجاتهم.
الكاتب مُفترضٌ منه نشر الأفكار، و البحث الصادق وكسر جميع التابوهات التي تؤثر على المتلقي لإنتاج معرفة وثقافة إبداعية. ومع اتساع فرص النشر المتاحة حاليا فإن السؤال هو: هل هناك بئر جاف لا ينبض بالأفكار والكتابات في هذا المجتمع؟ لماذا الكثير من القضايا مغيبة عن الطرح؟
غالباً ما تكون الكتابات المنشورة في الصحافة الورقية عن المنجزات الحكومية، فهذا النوع من الكتابات هي المسيطرة على جميع ألوان الكتابة، وما يغيب عن النشر هو آمال وطموحات الفرد المستقل بُغية اقتحام عزلته الكسولة والكئيبة بهدف النهوض بالأفراد من أجل تغيير واقعهم إلى الأفضل.
المؤسسات الإعلامية لها دور كبير في صياغة الوعي الثقافي في المجتمعات. فهل هناك نوع من الاحتكار الصحفي من قبل سلطة معينة على كافة الأصعدة الإعلامية؟ ما مدى مساحة الحريات الكتابية في مجتمعاتنا؟ ولماذا تفتقر كتاباتنا للبعد الفكري والنظري والتحليلي في كثير من الأحيان؟!
ما المسكوت عنه في الكتابة بالمجتمع العماني؟ وما هي تلك السلطة التي تؤثر في مجمل الأحداث الكتابية في الشارع العماني؟ ولماذا أصبحت المواقع الإلكترونية ملاذا للكاتب العماني ومفتاحاً لحرية التعبير عن رأيه؟ هل لسرعة إيصالها لما يريد من مقالات وأفكار؟ أم لأن بحثه عن مؤسسات الكترونية ديمقراطية تنشر مقالاته أمر يتسم بالسهولة؟ لماذا لا تكون العلاقة بين الكتابة الالكترونية والصحف الورقية علاقة تواصل بين المحلي والعالمي؟ يجب أن نعي أن الصحافة والكتابة الورقية لا تزال القوت الذي يغذي المواطن بالمعرفة بما يحدث في مجتمعه والعالم، فللصحافة دور حيوي في توفير وتزويد القراء بمعلومات وأحداث محلية مهمة تحدث بمجتمعهم وتتبع التغييرات التي تحدث في العالم. فالمراسل والصحفي يتقصى الأخبار اليومية التي تهم القارئ. و تعتبر الصحافة الورقية أسهل الطرق وأقلها تكلفه بالنسبة للمستهلك (القارئ) لمعرفة آخر المستجدات وللتعبير عن قضايا القارئ، فاقتناء صحيفة يومية غير مكلف، وذلك بعكس المواقع الالكترونية التي ترتفع فيها النفقات التي يدفعها المستهلك للوصول إلى العالم الإلكتروني في مجتمعنا حيث لا تزال الإنترنت غير متاحة للجميع وبالتالي تقل طرق وإمكانية متابعة مستجدات الأحداث والتطورات المحلية للأفراد والمؤسسات في المجتمع المحلي. لذلك فإن الصحافة الورقية تحتاج إلى مستوى مرتفع من حرية التعبير أسوة بتلك الكتابات التي تنشر في المواقع الالكترونية لمواكبة ومعرفة الآراء الأخرى المغايرة والمختلفة فهي تهم قارئ الصحيفة المطبوعة وتعزز ثقته بحرية الصحافة والرأي في المجتمع.
مثالا لا حصرا، صحافتنا تحتاج لكتابات تتحدث عن المرأة وقضاياها وهمومها والمشكلات التي تعانيها في مجتمعاتنا، وكذلك تشجيعها لنيل حريتها في الشؤون العامة وعدم تهميش دورها وأفكارها وعدم التشكيك في قدراتها، كما يجب التركيز على حقوقها المختلفة ومنها حقها في الدفاع عن حريتها، ولتضع بصمه لها في عالم الكتابة والصحافة.
ما يأمله المرء من الصحافة والصحفيين المحليين هو القدرة على تجاوز الرقابة الذاتية التي تجعل الكثير من كتاباتنا تحت وطأة أذرع إخطبوط الخوف والتردد، بل يجب أن تكون نتاج مجتمع يتماشى مع سنوات طويلة من التفاهم والمقدرة على خلق ثقافة تسمح بتقبل الرأي والرأي الآخر بما يخدم التطور الثقافي ويعزز وعي الفرد بذاته وحقوقه، وبما يجعل من الكتابة إحدى وسائل نيل الحريات العامة وتعزيز ثقافة المجتمع المدني الواعي والمتحضر.


ليست هناك تعليقات: