أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

الصمت الممنهج



الصمت هو عدم وجود صوت أو تواصل لفظي مسموع، كردة فعل يصدرها الإنسان لعدم الرغبة بالحديث بسبب الغضب أو عدم الاهتمام أو الاكتراث لشيء ما، وقد تكون كذلك لأسباب صحية مختلفة، كما للصمت أثر على الثقافة الإنسانية منذ بدء التاريخ، وقبل الكلام، حين كانت أول اشارة للصمت بوضع الأصبع على الفم والشفتين مطبقة كمطالبة للصمت وعدم الكلام أو من اجل الإنصات، وقد ورد في التاريخ كذلك أحداث أجبر فيها المتمرد على الصمت حينما كانت تعاقبه السلطات العليا في المجتمع بخياطة فمه اذا ما ارتفع صوته، بالإضافة فأن الصمت هو أهم أداة للمتأمل في الديانات والثقافات المختلفة.
والصمت أسلوب تعبيري للرغبة بالاستماع والإنصات حين تتلقى الأذن الموسيقى أو الحوار، وكذلك حين تتلقى المعلومات ( أثناء مراحل الدراسة)، أو من أجل العزلة والتفكير وتحرر الأفكار من التأثيرات الخارجية التي قد يحدثها الصوت، كما هناك الصمت التذكاري الجماعي الذي يكون لمدة زمنية محددة " دقيقة صمت مثلا" لحادثة مأساوية خلفت ضحايا، ولتكريمهم تعلن الجماعة الفترة الزمنية للصمت احتراما لأولئك الضحايا.
وهناك الصمت كتعبير فني، ومن أبرز الفنون الصامتة " التمثيل الايمائي" الذي يبرز فيها الفنان مقدرته على الاداء الحركي بدون الصوت، مثال عليه ( الكوميديا الصامتة ) الذي برع فيها الفنان العالمي شارلي شابلن، كما أن هناك من الفنانين من يعرض الفن الصامت في الشوارع أو المسارح لإظهار مقدرتهم الابداعية في إبراز القصة  بالحركات الجسدية والامتناع عن اصدار الصوت، وبالإمكان اعتبار فن الرسم من ضمن الفنون الصامتة التي تعبر عن ما بداخل الإنسان من عواطف أو أفكار بدون صوت.
وهناك من اعتبر الصمت فلسفة، حيث وضع الصمت في خانة الحكمة، كدعوة للجميع إلى التفكير والتأمل قبل الفعل أو الكلام، فالصمت هنا يجب أن يتبعه إدراك ووعي من أجل إيجاد حلول للمواقف الصعبة أو ردة فعل لما قد يحدث من قبل الآخرين من تهور أو شجار، وكذلك يعتبر الصمت نوعاً من أنواع العتاب والعقاب، حين لا يكون للحوار فائدة أو مجال أو حل، أو من أجل لفت الآخرين لوجوده في بعض الأحيان، فالصمت لغة حين لا يكون جدوى من الكلام.
وفي كل مجتمع ثقافة معينة تظهر مقدار حجم استيعاب شعوبها للمعارف وإدراك منطلقتها وأسبابها، ولثقافة الصمت أسباب مختلفة بحسب حاجة المجتمع إليها، وقد تصبح عادة تؤدي في الغالب إلى انتشار الفساد حين يكون الصمت متبوعاً بعماء الفكر والعين، وبالتالي انكسار الفرد وتهاونه عن البحث عن حقوقه ومصداقية الخبر، ففي الوقت الحالي ما عاد الصمت مجدي في سياسات  الشعوب والجماهير، فحين يصمت الشعب تزداد الانتهاكات التي تفقد الحقوق والحريات وتظلل الحقائق، وتصمت الثقافة عن اداء دورها المخول لكشف تلك الانتهاكات وتبتعد عن الموضوعية في كشف الاخطاء والفساد، ويغوص المجتمع في بحر من عدم الشفافية الذي سببه الصمت عن معرفة ما يدور من مجريات الأمور حوله، وكلما ازداد صمت الشعب وتكاسل عن الرغبة بمعرفة الحقائق كلما انتشر وازداد في المجتمع الكذب والإشاعات التي تؤدي إلى زعزعة أمان المواطن والوطن، كما يزداد في هكذا مجتمع السرقات والتجاوزات والاعتداءات حين يكون الصمت حجة، فلا يكون لدى الافراد الرغبة بمعرفة الاسباب والمسببات التي أدت إلى مثل هذه الانتهاكات وهذا الفساد بين أروقة السلطة الحاكمة.
وصمت الشارع العربي علامة الإنسان المقهور المخروس عن حقوقه، المعطل عن تنمية قدراته الوظيفية، الجائع إنسانياً، المتربي على الصمت وعدم الكلام أو النقاش أو الانتقاد في حضور الأكبر منه مكانيا وعمريا، فصمت المواطن عن حقوقه يؤدي إلى شيوع حالات انتهاك القانون وضياع الحقوق من قبل الرؤوس الكبيرة في المجتمع، حين تضيع الشكوى في حنجرة الضعيف منها، كما أن هذا الصمت القمعي يهدف إلى تخدير الفكر وصولاً إلى تسليم للمتسلط بسلطته، باعتبارها أمراً خارج التساؤل والنقاش، وبالتالي قد تظهر جماعة متسلطة تستفيد من الصمت القمعي الذي اجبر الناس عليه في المجتمع، باحتكارهم حق تأويل النصوص الدينية ويتحكمون بسلوك العباد تحليلاً وتحريماً، ويكون الإنسان في هذه الحالة في مأزق وجودي حيث لا يبق له سوى الاستسلام والانكسار والانحسار بصمت في المجتمع.
وكل ما نحتاج إليه هو تنمية الفكر الباحث عن مواطن الخلل في المجتمع، وذلك عبر المؤسسات الاعلامية التي هي الطريقة التي توصل صوت المواطن وليست أن تستفرد بكونها صوت المواطن، ومعاملة حقوق المواطن بكونها مواطنة وليست من كونها قبلية أو مذهبية، ونشر الوعي الحقوقي القانوني للمواطن، والبحث عن الشفافية في المؤسسات الحكومية، والمسائلة عنها، وكي نعيد التوازن في المجتمع وكسر الصمت لدى أفراده يجب تعزيز الثقة والمطالبة بالتنمية المشتركة بين الجميع، وتفعيل الممارسات الديمقراطية الفعلية في المؤسسات الحكومية، وحق النقد والتعبير في الصحافة والكتابة، كما من الجيد وجود لجان تحاسب التجاوزات والاعتداءات التي تطول الوطن والمواطن، ما نحتاج إليه فعلاً ثورة ضد الصمت الممنهج وفتح باب الحوار والحديث مع الجميع بدون تميز، وتنمية واستيعاب جميع الثقافات في المجتمع.


 نشر بجريدة الرؤية بتاريخ 26/ ديسمبر/2012

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

سجين الرأي



السجون وسيلة استخدمتها البشرية منذ الأف السنين لاعتقال وإزالة الحرية الشخصية من الناس المسجونين، وقد تستمر لفترة زمنية معينة أو مؤبد ، أو حتى موعد الإعدام، وقد تختلف الاسباب الذي يزج فيها الفرد إلى السجن، من افعال اجرامية ( سرقة ، قتل ، ارهاب ، اغتصاب. الخ) إلى اسباب سياسية ( اسرى حرب، معارضين ، خونة. الخ )، كما أن الحضارات القديمة كانت تستخدم السجين كالعبيد  ليبنوا المباني، أو مثل الحضارة الرومانية التي استخدمت المساجين في حلبة المصارعة بعد تدريبهم على القتال مع بعضهم البعض أو مع الحيوانات المفترسة.
وفي عام 1215 اصدر الملك (ماغنا كارتا)  قانونا ينص على أنه لا يمكن سجن أي إنسان دون محاكمة، بعد أن كان في السابق يتم زج الافراد في السجن بدون حتى توجيه تهمة أو محاكمه، وقد ساهم هذا القانون في صناعة وصياغة التشريعات القانونية، من البراءة إلى مدة الحبس أو الاعدام، فأصبحت مدد السجون تتزايد بتزايد الجرائم وفي بعض الاحيان وفقا للتعسف والقمع التي تمارسه بعض الحكومات القمعية ضد افرادها، وقد تزداد القسوة بداخل اروقتها بتزايد الامراض النفسية التي تتملك سجانها.
المتتبع لتاريخ السجون يجد أن البشرية قادرة على أن تضع قوانين تزج ايا كان في السجن إن كانت تملك سلطة تخولها التحكم في مصائر الناس، فالسجن وإن كان وسيلة قانونية ومن أجل فرض النظام، وعقاب كل من خولت له نفسه التعدي على الآخرين، ولكنه قد يقع احيانا في معضلة اهواء السلطة الحاكمة، فيكون القانون اعمى عن احداث القضية واسبابها، فتصدرُ أحكام تعسفية المقصد منها القضاء وإقصاء كل من يحاول زحزحة تلك السلطة عن الكرسي، فالتاريخ كشف عن ممارسات وحشية تتطول كل من كان له رأي افصح عنه كحرية التعبير عن ما يجول في فكره من رؤية أو رأي يود تقديمه للناس حول وضع الوطن أو وضع الشعب، فتقطع لسانه أن تحدث وتقطع أصابعه إن كتب منشور وغالبا ما يعذب حتى الموت.
حرية الرأي هي حرية التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام والكتابة والاعمال الفنية، بدون قيود، بشرط أن تمثل في مضمونها الأفكار والآراء الإنسانية، وهي حق إنساني يحتاجه الإنسان من أجل تنمية أفكاره ومجتمعه، وحرية الرأي اسهمت عبر التاريخ في تطور الحضارة الإنسانية منذ القدم، وهي تكفل المساواة بين الجميع بدون تميز، ويعتبر الفيلسوف جون ستيورات من اوائل المنادين بحرية التعبير حين قال ( إذا كان كل البشر يمتلكون رأياً واحداً وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفاً فإن إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل البشر إذا توفرت له القوة)، وقصد الفيلسوف ستيورات هنا أن قمع حرية الرأي هي أسلوب يستخدمه الطغاة، بالإضافة لا يجب أن تكون حرية الرأي يقصد منها إلحاق الضرر والأذى والتعدي على حريات الغير.
الأحداث الماضية التي تداولتها الصحف العربية والمحلية والمواقع الالكترونية حول الظن أن حرية الرأي ثورة وليست حق لكل فرد في الوطن، واعتبارها احداث تم استيرادها من المجتمعات العالمية هي اجحاف في قدرات الافراد في المجتمع حول حرياتهم، فأدوات حرية الرأي تطورت بالتطور التكنولوجي الذي يعم كل المعارف العملية والعلمية في المجتمع، وسهولة التواصل بين الافراد عن طريق التقنية والمؤسسات الاعلامية (الصحافة) ساهمت على انتشارها وتنميتها، ولكن للأسف تملكت بعض الجماعات السلطوية الرعب والخوف من تلك الحرية حين وضعت للرأي سجن، فأصبح هناك سجناء رأي في أغلب الدول العربية، وهي تسمية أطلقت على من يقول رأياً فيتعرض للاعتقال والسجن، وغضوا الطرف عن رؤية ابعاد تلك الرؤية ومصلحتها للمجتمع والوطن وكحق إنساني شرعتها الحضارات الإنسانية والمجتمعات المدنية، فأي وطن ذاك الذي يخشى سماء الحرية في مجتمعه؟ واي وطن ذاك الذي تختلط لديه مصلحة افراده ويضيع في مفردات يختلقها كالأعور الذي يخشى أن يكتشف أن عينه الأخرى تبصر فيضع عليها خرقه سوداء، فأولئك الشباب الذي وقفوا وقفة سلمية من أجل حرية الرأي لم يكن يقصدوا الاخلال بالأمن بل وثقوا بأن الوطن قادر على الإنصات إليهم، ووقفوا تحت أشعة الشمس وفي العلن، فحتى متى سوء الفهم الحاصل بين حرية الرأي والتشريعات القانونية الغامضة؟ أن استمر الوضع على ما هو عليه سيتجمد الفكر وسيكون سجين بؤرة قد تؤدي إلى هلاكه.
الأمن هو وجود حرية الرأي وليس سجناء الرأي، والوطن في أشد الحاجة الآن للإنصات للجميع واستيعاب اراء الشباب التي ترغب رؤية وطنها من أفضل الأوطان، والمتمثل بكون الحرية هي أهم منطلقاتها.


نشر في جريدة الرؤية بتاريخ 19/ ديسمبر/2012

الأربعاء، 12 ديسمبر 2012

المغيب ( المغصوب )



تتداول القصص الأسطورية العمانية شخصية ( المغيب - المغصوب )، وبحسب الروايات فإن المغيب هو إنسان مسحور يظن أهله أنه فارق الحياة ويتم دفنه، ولكنه يظهر إليهم في ساعات الليل المتأخرة، يتمشى في البيت وبين الغرف وفي السيوح والجبال، وقد تستمر رؤيته من قبل من يعرفوه  لسنوات طويلة، وبحسب الروايات كذلك فإن ذاك الإنسان المغيب قد تم سحره من أحد شيوخ السحرة الكبار، لأسباب قد تكون شخصية أو مادية، ولا يستطيع أحد مساعدته أو إرجاعه للحياة.  
والمدهش في اسطورة قصة المغيب حين يتم سحره فأنه يتنقل في المكان بدون عقل أو إدراك لمن حوله، فبحسب ما يتداوله الناس فأن المغيب تارة يكون ممتطياً حماراً ويتنقل في حارات البلدة، وتارة أخرى يكون هائما على وجه بدون وعي، بالإضافة إلى أن البعض اضاف مسمى ( مأكول ) لذلك المغيب، أي أن عقله وروحه قد أكلت من قبل ساحر.
 التاريخ ذكر المغيب ( المغصوب ) في مجتمعات مختلفة من العالم وعلى مرور الزمن حتى الوقت الحالي، كأفريقيا وشرق آسيا، وبأسماء مختلفة مثال عليه ( الزومبي/ ومصاصي الدماء/ والاشباح ) الأموات الاحياء، وهناك الكثير من القبور  وضعت مع الجثة أدوات يعتقد فيه الناس أن الإنسان ربما سيرجع للحياة وسيحتاجها في حينها مثال عليه مقابر الفراعنة، وهناك مقالات علمية ونفسية عديدة حاولت تحليل الأسباب التي تجعل الإنسان يؤمن بعودته للحياة بتلك الطريقة، كما أن هناك افلام وثائقية توضح وتشرح تاريخ ومنشأ مثل هذه المعتقدات على سبيل المثال: Zombies: A Living History (ZOMBIE DOCUMENTARY!).
يؤمن البعض بأسطورة المغيب ( المغصوب)، لعدم مقدرته على استيعاب مفهوم الموت على أنها نهاية الإنسان، فيعتقد بالسحر والشعوذة التي تستطيع أن تجعل الإنسان يعود للحياة، وكانت ديانة الفودو المنتشرة في افريقيا تؤمن بالأرواح، ومقدرتها على التأثير في الناس وضرهم، وربما تكون هذه المعتقدات هي من أوصلت خرافة المغيب إلى المجتمع العماني، بسبب التواصل التاريخي السابق بين عمان وافريقيا، مما أدى إلى استيراد معتقداتهم مع بقية اشكال التواصل التي كانت بينهم.
فَقدُ إنسان عزيز وموته يجعل الإنسان في حالة عاطفية شديدةً، تؤدي به إلى حالة من اللاوعي وتتأثر طريقة تفكيره فيخلق الأوهام والخيالات التي تجعله دائم البحث عن طيف يوصله إلى من فقده بأية وسيلة وطريقة، وخوفه الداخلي من الموت وعدم مقدرته على استيعاب تلك المرحلة الضرورية للحياة تجعله يصطدم بالأوهام والشعوذة والقصص الخرافية التي تصور الحياة بعد الموت، وإبعاد المنطق والعقلانية في مثل هذه الحالة، فالموت ظاهرة طبيعية ولكن الرعب الذي يتملك الإنسان من حالة جسده بعدها ( التحلل والتلاشي في الارض) يجعله يفصل تلك المرحلة الطبيعية ويتمسك بأي وهم وخرافة تخالف العقل وتجعله يستمر في الحياة، وبالتالي خلقت تداعيات شديدة تطورت على مرور الزمن في جميع أدوات حياته، فذلك الخوف من الموت وخلق الاساطير والاوهام عليها جعله مغيبا فعليا عن الوعي لما حوله، فالوهم والخرافة جعله غير مسؤول عن افعاله، بل خلق له قوى تسيطر عليه وهي السبب لما يحدث له من مشاكل وصعوبات حين لا يستطيع ادراك واستيعاب ما حوله، فحين يتطور الإنسان من بداية المرحلة الطفولة فسيولوجيا على الخيال والاوهام والخوف تتجمد مقدرته الاستيعابية على استيعاب المنطق والعقل والتحليل لمدركات الامور ويفقد الموضوعية في مسار حياته، فيهرب من أية مشكلة قد تواجه بتصورات وهمية تجعل من حوله يتعاطف معه.
يجب أن يكون الإنسان مدركا ومسؤولا عن افعاله وأفكاره، وفكرة المغيب ( المغصوب) وغيرها من خرافات تفقد الوعي العلمي والمنطقي لفكرة الموت أو الامراض أو الافعال، التي هي جدلية ضرورية لاستمرار الحياة، كما أن فكرة المغيب تؤدي إلى أن تسيطر على الفرد فكرة وجود قوى خرافية قادرة على إلحاق الأذى به، فتهدده تلك الفكرة في كل افعاله وأفكاره، وربما تستفيد منها جماعة السحر والشعوذة للسيطرة عليه واستنزاف وقته وماله وفكرة، فيصبح تابعا لهذه الجماعة ينفذ أوامرها ويروج لها، كما أن تلك الجماعة تتبنى قصصا خرافية بعد أن فقد الإنسان مقدرته على الوعي وإدراك الأمور والإيمان بمسؤوليته التامة عن كل أفعاله.
وللأسف فأن تداعيات الإيمان بهذه الخرافات أثرت بتفكير الفرد في المجتمع ومقدرته على تحمل مسؤولية أعماله كردة فعل انعكاسيه على الإيمان بتلك المعتقدات، فأصبح كالمغيب الفعلي عن أدراك أحقيته في أثبات حقوقه وواجباته، وترك أموره تسيرها جماعات وهمية بعيدة كل البعد عن المنطق والعقلانية  لمجريات الحياة.

نشر في جريدة الرؤية بتاريخ 12/ ديسمبر /2012

الأربعاء، 5 ديسمبر 2012

الخوف قبر الإبداع



ترسخ التربية في أغلب المجتمعات ثقافة الخوف لدى الفرد في المجتمع، وتخضع كل أفعاله وتصرفاته وأفكاره في مختبر الخوف، الذي يحلل وينقي ويزيل اي آثر من الممكن أن يظهر لدي الفرد المتميز والمنفرد بالفكرة والفعل، فيخشى ذاك المجتمع الذي سيطرت فيه ثقافة الخوف- من الاساطير والاوهام والخرافات والعادات والتقاليد- من علامات الاختلاف المتميز والحديث لدى الافراد، فيحاول فرض وصايته بإرجاع ذلك الفرد إلى عقيدة الخوف، وكما نعلم أن عكس كلمة الخوف هي الأمان والاستقرار الذي يحتاجه كل مجتمع يرغب بالازدهار الفكري والحضاري، ولكن في حالة وجود ذلك الخوف فأن أية محاولة لمعالجة وكسر الخوف المنتشر في المجتمع تخضع لقوانين ثقافة الخوف، التي تمنع الحريات وتحد من التفكير والتطور الإنساني.
الخوف يضع التفكير في حالة جمود، حين تكون الخيارات المتاحة أمامه للإبداع محدده وخاضعة لشروط تحارب أي اختلاف عن القديم وتمنع التقدم في العلم، فهناك جماعات في المجتمع مهنتها حراسة الخوف ووضع أفكار وأفعال الافراد في غربال مقاييسهم الفكرية التي تمنع وتقتل أي فكرة تخالف رغبتهم وثقافة خوفهم وجمود فكرهم المتبع للعادات والتقاليد والاوهام، كما أن تلك الجماعات تفرض على الأفراد اتباع ثقافة الخوف والاقتداء بها عبر الأجيال، وبالتالي تتأثر لدى الفرد (الراغب بالإبداع واستحداث الفكر والفعل الإنساني والحضاري) الذات المبدعة والمنفتحة للأفكار مما يؤدي إلى جمود الإنتاج الفعلي والعملي للتطور والتجديد، ومن ثم يؤدي بالمجتمع إلى بناء جدار يمنع من استقبال اية فكرة حداثية تهدم ثقافة الخوف لديه.
غالبا ما يؤدي الخوف بالإنسان إلى منع الفكر من التفكير السليم والعقلاني والعلمي لمجريات الأمور من حوله، فيحبط لديه أية محاولة للاستنتاج والتحليل والاكتشاف وايجاد الحلول للمشاكل التي قد يتعرض لها، وبالتالي يصبح هذا الإنسان التي تساوره الشكوك والمخاوف عرضه للرهبة والقلق والخوف من اي فعل يرغب بالإقدام عليه، وكل ذلك صنيعة نفسه وذاته التي زرع فيها الخوف وجعل الخوف كقيد يتحكم بكل فكره أو عمل يقوم به في مشوار حياته، وكل ما يحتاج إليه كعلاج لذلك التفكير السلبي هو إزالة تلك الجذور من داخل فكره، وبناء فكر سليم وصحي وإيجابي بعيد عن التفكير غير المنطقي والسلبي لمجريات الأمور من حوله، فالرهبة والخوف تخضع الفكر البشري لطاقة سلبية فوق الاحتمال وقد تؤدي في أحيانا كثيرة إلى أفعال وتصرفات أشنع من الحالة التي تخضعه فيه ذلك الشعور بالخوف، والشعور بالخوف يمنع التدرج التفكيري للحلول، حين تكون أول خطوة محفوفة ومنتجة للمخاوف.
الفرد الذي تكون لديه عقدة الخوف تنتابه الكثير من الأمراض العضوية والنفسية التي سببها الرئيسي هو الخوف، فيتعرض جسده إلى مشاكل صحية عديدة تنتابه بسبب شعوره بالخوف من شيء ما ( فكره كانت أو فعل) ، وهناك الكثير من الأمراض في المجتمع الذي تزداد بسبب عقدة الخوف مثل امراض القلب وضغط الدم والامراض النفسية كالقلق والتوتر والكآبة والانطوائية وغيرها، وكل هذه الأمراض ترجع مسبباتها غالبا إلى أحساس وشعور المريض بالخوف وبالتالي تؤدي إلى تغيرات فسيولوجية بجسده تؤثر في طريقة تعامله مع ذاك الحدث، ولذلك فأن أفضل علاج لمثل هذه الحالات هي أن يخضع المريض في البدء إلى معرفة أسباب مخاوفه، ، فالخبراء النفسيون يرجعون على أن معظم هذه المخاوف ومصادر القلق هي من خيال الإنسان ومن بنات أفكاره أكثر مما هي واقعية، مبينين في الوقت نفسه أنه يجب عليه مواجهتها للتغلب عليها. 
وهناك جزئية مهمة في تأثير ثقافة الخوف لدى المجتمعات العربية إلى نظرتها للمرأة، فغالبا ما تخضع المرأة في هكذا مجتمعات متأثرة بثقافة الخوف إلى ضغوط نفسية تؤثر في استيعاب قدراتها ومداركها الإنسانية فتتأثر لديها القدرة في صناعة القرار، بسبب ترسيخ المفهوم المنتقص لدورها الإنساني، فيكون المجتمع في الغالب كالعدسة المكبرة لأفعال النساء خوفاً منها وليس عليها، فكل فعل أو فكرة تقوم بها المرأة يخضع بصورة سريعة للتقنين والتقزيم وزرع بذور الخوف منه، بسبب ترسيخ مفهوم العادات والتقاليد التي تحد من قدراتها وتمنعها، فغالباً تنشأ المرأة منذ صغرها على الخوف من جسدها وفكرها، فجسدها خطيئة وفكرها شيطاني بحسب المورثات والمعتقدات التي تأخذ من العادات والتقاليد المقدسة في المجتمع ، مما يؤدي إلى تفكيرها السلبي في ذاتها من أن تكون مصدر الشرور، والخوف من أية بوادر تخالف تلك المعتقدات، بالتالي تقمع اية محاولة لإزالة اثر الخوف من ذاتها، فالعادات والتقاليد تربي المرأة منذ الصغر على كونها كائناً ضعيفاً ويجب أن تلتجئ دائما إلى الرجل وتستمد منه الأمن والأمان والحماية من كل الافكار والافعال التي قد تواجها بالمجتمع، وأنها دائما مغلوب على أمرها وغير قادرة على صناعة القرار أو الدفاع عن نفسها، فتشعر بالخوف من فكرة مواجهة اي جديد أو مجهول تلقاه، ويزداد لديها الشعور الدائم لخضوعها الدائم للمراقبة وفضح عيوبها وتكبير أخطائها كالعدسة المكبرة لكل عين حولها، كما أن الشعور بالخوف يزداد لدى الأمهات في ظل عدم مقدرتهن على استيعاب وإدراك المتغيرات في الحياة الاجتماعية والتكنولوجية في المجتمع، ويتأثر الابناء بذلك حين يظهر الهلع والخوف الدائم على الامهات، فتكثر من التوجيهات والتحذيرات، مما يعوق نموهم وتتعطل مسيرة حياتهم وتجاربهم المختلفة مع الآخرين، وكل ذلك بسبب التنشئة التي تتربى عليها المرأة منذ الصغر على ثقافة الخوف ويتأثر بذلك كل ما ومن حولها.

نشرت بجريدة الرؤية تاريخ/ 5/ ديسمبر/2012

مدخل إلى ثقافة الخوف (2)





متابعة للمقال السابق حول الدراسة التي نشرها الباحث الدكتور/ أحمد محمد عقلة الزبون، حول ثقافة الخوف وسيكولوجية الطفولة، نأتي إلى ذكر مثيرات ثقافة الخوف الطفولي، وبحسب الدراسة فأن أهم وأبرز المثيرات هي:
-    المثيرات الحسية والمقصود بها المثيرات التي تسبب الخوف عن طريق الحواس الخمس المعروفة، مثال عليه الخوف من الضوضاء والأصوات العالية، والخوف من الظلام لارتباطه بالمجهول فيخاف الاصطدام بشيء أو أن يصاب بشيء قد يعترضه، مما قد يؤدي إلى خوف دائما لارتباطه بذكريات مخيفة مثل قصص الجن والعفاريت واللصوص، والخوف من الحيوانات التي لم يألف الطفل وجودها من حوله في بيئته.
-    المثيرات غير الحسية والمقصود بها التي لا يمكن أدراك حقيقته كالخوف من الموت أو الخوف من العفاريت ونار جهنم، مثال عليه الخوف من القصص والأساطير الخرافية التي يكون بطل القصة فيه شبح أو جن فتكون تلك القصة وقود لمخاوف الطفل فإذا تحرك أي شيء من حوله أو سمع صوتاً غريباً فأول ما يتخيل إليه هو الشبح أو الجن جاء ليروعه ويؤذيه، والخوف من عالم الأرواح والسحر الذي يعتبر من أبرز العوامل المثيرة لثقافة الخوف الطفولي، فهو يشكل ذعراً ليس لهم فقط بل للكبار الذين تتملكهم عقيدة شائعة تقول إن استخدام السحر يمكن أن يؤدي إلى عدة أمور منها الحيلولة دون تحقيق أهداف المرء في الحياة وبلوغ مرحلة النجاح والتفوق.
-    المثيرات المدرسية والمقصود بها الخوف من الامتحان، قد يكون طبيعي ولكن قد يبلغ أشده حين تظهر مخاوف أضافية له كالخوف من التعرض للعقاب أو السخرية أن فشل في الامتحان، فهذه المثيرات تفقده الثقة بالنفس ومقدرته على وضعه بالامتحان.
-    المثيرات الصحية كالخوف من الإصابة بالمرض، ويعد من أقوى العوامل التي تقف وراء ثقافة الخوف الطفولي، فالطفل شديد الحساسية من خوفه بإصابة أحد أعضاء جسمه، فالطفل يرغب بمعرفة الأسباب التي أدت إلى إصابته بالمرض، فحين يرى رجلاً معوقاً يثير لديه التساؤلات حول أسباب إصابته ثم يبدأ بالتفكير إذا كان من الممكن إصابته بهذه الإصابة فتتحول حياته إلى هلع ورعب من أي مرض ويخشى أي عدوى، خصوصا حين لا يستطيع الأهل توصيل المعلومة الصحيحة لأسباب تلك الإصابة أو المرض أو قد يعتمد بعض الأهل أسلوب تخويف الطفل من تلك الإصابة أو المرض، وكذلك الخوف من الموت فإذا فوجئ الطفل بموت عزيز عليه وظهر على أحد أفراد الأسرة من الكبار علامات الخوف الشديد من الموت، تهتز مشاعر الطفل بالأمن والطمأنينة خصوصا لو كان المتوفى والده أو والدته، فذلك كفيل بجعله يخاف من العزلة، فالموت مظهر من مظاهر العزلة، والطفل يتألم من مظاهر العزلة التي يتصف بها الموت، وطقوس الحزن على الفقيد وكثرة البكاء وإظهار الآلام والعزاء لعدة أيام، فهذه المظاهر تجعل الطفل يتقمص حدوث الموت ويتوقعه ويخشاه.
-    المثيرات الأسرية كالخوف من الانفصال عن الأم، فهذا يعد تهديداً على سلامته، ورجوعها إليه مرتبط بعودة أمنه وطمأنينته، والانفصال المتكرر يحدث جرحاً بالغ في نفسيته، خاصة أن أعتمد أحد الوالدين كأسلوب تهديد الطفل بالانفصال عنه، فهذه التهديدات تسبب في الطفل شعوراً عن اعتقاده بأن والديه سيختفيان عنه يوماً ما.
كما ذكرت الدراسة طرق لمواجهة الخوف الطفولي، مثال عليه مشاهدة النماذج على الكيفية التي من الممكن على الطفل التعامل دون خوف مع المواقف التي تسبب له الخوف، عن طريق وضع نماذج وأمثلة تساعده على إدراك الموقف، بالإضافة إلى التدريب على مواجهة المخاوف التي تعرض لها الطفل على شكل ألعاب أو التمثيل للتعبير عن المشاعر والتحكم فيها، كما أن امتداح الطفل من قبل الكبار على مقدرته على تجاوز المخاوف يعتبر معزز من مقدرتهم على تجاوز مخاوفهم، واستعمال الخيال الايجابي كالقصص المشوقة أو الرحلات الممتعة يقضي على توتره ويزيل مخاوفه وتنمي لديه مقدرته على تحمل المشاكل والتغلب على المخاطر، كما إن مكافأة الطفل على السلوك الشجاع من الطرق الفعالة لمواجهة ثقافة الخوف الطفولي، فيجب أن يمتدح الطفل على كل خطوة شجاعة وتقديم مكافأة مادية له حين يظهر مدى شجاعته في موقف كان يتخوف منه، وتضيف الدراسة طريقة من الجيد أن يستخدمها الطفل حين يتعرض للشعور بالخوف وهو أن يتحدث مع نفسه بأن تلك المخاوف لا أساس لها من الصحة ولا وجود لها كي يشعر بالتحسن.
هذه الدراسة من الأهمية بحيث أنها أوضحت الأسباب وطرق علاج ثقافة الخوف الطفولي التي يتعرض لها الطفل، فالخوف غالبا ما يحد من مقدرة المرء على الإبداع والتقدم في حياته أو استقبال الحديث والجديد بعد أن سيطرت لديه فكرة الجمود والرضا بالمتعارف عليه وعلى أغلب الناس من حوله، فحين ينشأ المرء منذ الصغر على فكرة الأوهام والأساطير سيؤدي إلى أن يبرر أي فعل أدى إلى فشله إلى أسباب غير عقلانية أو منطقية، ومن ثم تخلق بيئة مريضة بالوهم والخوف، مما يؤدي غالبا إلى عدم مقدرته على مواجهة تلك المخاوف لإيمانه بها و سيطرتها على حياته وحياة الأفراد من حوله، فثقافة الخوف تؤدي إلى الإيمان والاعتقاد الشديد بالخوف، وقد تنشئ الفرد على أخلاقيات مبدئها الخوف من المجهول والخرافات والأساطير والعقاب، فحين تنشئ الفرد في بيئة تخشى من تقبل الأفكار وتحارب المستحدث والجديد، وتصل إلى قتل أية فكرة ترغب بالتفرد والتميز عن المتعارف عليه فتلك إشكالية سببها ثقافة الخوف، ولكن هذه الإشكالية تصبح خطيرة جداً حين تؤدي إلى القتل أو التسبب بإصابة الأفراد حاولوا الخروج من دائرة الخوف التي يخلقها مجتمع لا يرغب بالخروج عن تلك المبادئ التي رسمتها ثقافة الخوف في حياتهم، ونحن بحاجة إلى الإصغاء إلى ذواتنا وإلى تعزيز فكرة تقبل الاختلاف وعدم الخشية منه.

نشرت بجريدة الرؤية بتاريخ : 21/ نوفمبر/2012

الأحد، 18 نوفمبر 2012

مدخل إلى ثقافة الخوف (1) سيكولوجية الطفولة وثقافة الخوف




نشر الباحث الدكتور/ أحمد محمد عقلة الزبون منذ سنوات دراسة حول سيكولوجية الطفولة وثقافة الخوف، وهي دراسة مهمة لأنها تعني بالكيفية التي يلقن فيها الفرد منذ الطفولة ثقافة الخوف، تناولت الدراسة ظاهرة الخوف الطفولي والأسباب التي تقف وراءها والكيفية التي يتم من خلالها مواجهة هذه الثقافة، كما تسلط الضوء على أساليب التربية الخاطئة التي تسهم في توريث ثقافة الخوف للطفل، وبالتالي تؤثر سلباً على إرادته وعزيمته.
تناولت الدراسة الاتجاهات التي تصدى لها علماء النفس لمواجهة ثقافة الخوف في سيكولوجية الطفولة، وهي ثلاث اتجاهات أولها أن الخوف عبارة عن انفعالات ومشاعر وجدانية يزود بها الطفل قبل ولادته، الاتجاه الثاني أن الخوف أمر مكتسب من العالم الخارجي والبيئة المحيطة بالطفل، وأخيرا أن الخوف منشؤه الفطرة والاكتساب- لتأثير النفسية الإنسانية بالبيئة الخارجية- وأقرب الاتجاهات لمنشأ ثقافة الخوف لدى الطفل هي الفطرة والاكتساب معاً، فالخوف يتأثر بالمثيرات الحسية كالخوف من الضوضاء والظلام والحيوانات، وأصوغ مثالا عليه إتباع بعض الأهالي أسلوب عقاب للطفل متمثل بحبسه في الظلام، ومثيرات غير حسية كعالم الأرواح والسحر والأساطير الخرافية والعذاب ومثال عليه تخويف الطفل بقصص العقاب والعذاب كنوع من أنواع التربية لفرض السيطرة عليه.
كما ذكر الباحث نشأة وتطور ثقافة الخوف، على أن الخوف من ضمن أولى الانفعالات التي تظهر على الطفل في مراحل الطفولة المبكرة وبالتحديد منذ الشهر السادس، لأن الطفل في هذه الفترة يستطيع أن يميز ما حوله وعلى وجه الخصوص وجه أمه، ويظهر ذلك عندما تغيب عنه كإشارات للقلق والبكاء، وبالتالي بداية ظهور الخوف، ومن ثم ما بين السنة الثانية والرابعة يخاف الطفل من الحيوانات والعواصف والظلام والغرباء، وتخف هذه المخاوف في سن الخامسة وتتلاشى في سن التاسعة، ولكن تظهر مخاوف جديدة خلالها مثل الخوف من الأشباح والوحوش.

ويرى الباحث أن هناك عدة أسباب لثقافة الخوف أهمها: الخبرات المؤلمة ( عدم مقدرة الطفل على التكيف مع الحوادث والنتيجة بقاء الخوف لفترة طويلة، مثال عليه السقوط من سطح البيت الذي سيؤدي بالطفل إلى الخوف من المرتفعات)، ويرى ماكبريد صاحب كتاب الخوف (1960): أن التنشئة الخاطئة أو الخبرة المؤلمة – الصدمة الانفعالية الحادة- أو هما معاً من الأسباب الرئيسة للخوف الذي يستعصي على العقل فهمة.
السبب الثاني نماذج الخوف، أي أن يكتسب الطفل الخوف نتيجة مشاهدته لها عندما يكون برفقة والديه أو أحد أفراد الأسرة، ليتخذ منها نموذجا يقلده فيخاف ويخشى مما خاف منه الكبار، مثال عليه خوف الأم من مشاهدة منظر الدم فيغمى عليها، وعند مشاهدة الطفل لذلك سيصبح أشد خوفاً منها، لكون الأم بالنسبة إليه مصدر الأمن وخوفها من الدم يورث الطفل ذلك.
نأتي للسبب الثالث الذي ذكره الباحث وهو إسقاط الغضب والمقصود به الشعور بالغضب نتيجة سوء المعاملة، فحين يخاطب الأهل أو البالغين الطفل بعبارات مثل ( إني أكرهك) فقد تتحول إلى ( إنك تكرهني وسوف تلحق الأذى بي) فمخاطبة الطفل بعبارات تؤدي إلى الشعور بالذنب والخوف من العقوبة يتم إسقاطها على كل الأشخاص الذين يثيرون الغضب والصوت العالي من حوله، وبالتالي تخيفهم بشكل غير مباشر.
النقد والتوبيخ يعتبر من أهم الأسباب التي تؤدي اكتساب ثقافة الخوف، لأن بعض أولياء الأمور يعتمدون على المغالاة في نقد أبنائهم دون أن ينتبهوا لتأثير هذا الأجراء العقابي على مشاعر الخوف لدى الطفل، فيشعر الطفل أنه غير قادر على فعل شيء صحيح في حياته ويتوقع النقد دائما، وبالتالي يظهر عليه الجبن والخنوع بسبب التهديد المستمر للأخطاء التي قد يقع فيها، مثال عليه الطفل الذي يبلل ملابسه يوبخ من قبل الأهل بصورة مبالغ فيها ولا يتم علاج المشكلة، وبالتالي يكتسب الطفل الخوف من الفوضى أو عدم النظام، لتعرضه الدائم للنقد.
بالإضافة إلى الضبط والمتطلبات الزائدة للآباء في التربية الصارمة تفرض على الطفل التقيد بتلك السلطة المفروض عليه الذي يصل إلى حد خوف الطفل من الشرطة والمعلمين الذين سيمثلون السلطة بعد ذلك، فهناك آباء لديهم نزعة إلى الكمال في أطفالهم مما يؤدي إلى معانة الطفل ومحاولته كسب رضاه بأي طريقة وخوف الطفل من الفشل.
ويضيف الباحث سبب مهم آخر وهو الصراعات الأسرية المستمرة بين أفراد الأسرة والمجادلات الحادة التي تؤدي إلى الشعور بعدم الأمان وشعور الطفل بثقل المشكلات الأسرية التي لا يستطيع استيعابها أو لا أمل في حلها، وتتضخم مشاعر الخوف في حالة إحساس الطفل بعدم مقدرة الأسرة على مواجهة المشاكل، كمثال عليه النزاعات التي تحدث بين الأب والأم.
ومن ثم يذكر الباحث سبب مختلف ويمارسه كثير من الأطفال وهو محاولة السيطرة على الآخرين الذي يصطنع فيه الطفل الخوف من اجل اجتذاب اهتمام والديه أو معلمه ويغض للأسف الطرف عنه بعض أولياء الأمور لتصبح مع مرور الزمن عادة سلوكية لديه، فالخوف في هذه الحالة يصبح مثمراً ونافعاً بالرغم من أنه مؤلم في الوقت نفسه وابرز مثال عليه الخوف من المدرسة وبالتالي يسمح ولي الأمر للطفل بالبقاء في البيت.
ونأتي إلى سبب آخر وهو التدريب الخاطئ المتمثل في العناية الفائقة والمبالغ فيها بالطفل أو نتيجة الإهمال واللامبالاة أو التشدد في المعاملة في سلوكه الشخصي أو علاقته بالأفراد من حوله، مثل تهديد الطفل بالجن أو برجال الشرطة من أجل إخضاع سلوكيات الطفل التي ستكون مع مرور الوقت مصدر للخوف من أفعاله وسلوكياته في المستقبل.
وذكرت الدراسة أن هناك أسباب أخرى غامضة، مختلفة وغير واضحة، وتحدث لفترات معينة من عمر الطفل وقد تتلاشى إذا تم تجاوزها ولم يركز عليها من قبل الأهل بصورة مبالغ فيها وبالتالي قد تؤثر على مشاعر الطفل ومقدرته على تجاوزها.







السبت، 10 نوفمبر 2012

أمية قانونية بحقوق المرأة



الفرد في كل المجتمعات له حقوق وحريات مستحقة، تستند على قوانين تشرعها المجتمعات وتقرها الإنسانية، من أجل قيمة وكرامة الإنسان، وكل فرد في المجتمع يستحق التمتع بحريات أساسية من الأمن والأمان وقوانين تكفل له التمتع بتلك الحقوق القانونية، وعلى ضوئها يستطيع أن يتخذ القرارات والأعمال التي تصون وتنظم حياته.

والحقوق القانونية هي المعيار الذي يقيم الحريات وينظمها على فكرة العدالة، باعتبار العدالة مفهوما ذا طابع فلسفي وأخلاقي وإنساني حظي بالاهتمام عبر التاريخ البشري، ومن ثم صاغها في منظومة دولية لقواعد ومبادئ سميت ( حقوق الإنسان) في إطار نظام قانوني يحفظ تلك الحقوق، ويحقق له الأمن، وهي حقوق سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية تخص كل إنسان في المجتمع وتسعى إليها المجتمعات المدنية، باعتباره مواطنا يسهم في تحديد مصير مجتمعه، وباعتباره كائنا عاقلا حرا وقادرا على الفعل الإرادي المسؤول.

وفي ضوء هذه المداخلة المتعلقة بحقوق الإنسان في المجتمعات نجد أن الكثير من أفراد المجتمع يجهل حقوقه وواجباته القانونية، فأغلب الأفراد ليست لديهم الدراية والوعي الحقوقي الكافي الذي يمكنهم من الوقوف في ظل التسلط والجهل الذي قد يمارس في حقهم، وبالتالي تتأثر بأداء واجباته العملية العامة أو الخاصة وكذلك استمرارية ذلك الانتهاك والتسلط الممارس ضده، وكل ذلك بسبب الجهل بالآلية التي يتم من خلالها صيانة حقوقه وحرياته، فالتثقيف القانوني بالأنظمة الحكومية والتعاملات الاجتماعية والعملية والتجارية يكاد يكون شبه منعدم، مما يؤدي إلى تراكم القضايا القانونية المتعلقة بالجهل في القانون وتعاملاته، فالثقافة القانونية تعني إدراك مناحي القانون ( النظرية والعملية _ التطبيقية _ التشريعية) بحيث يعرف الفرد مصطلحات القانون وما تشير إليه من معان ترتبط بشتى المجالات، وأيضا معرفة الإنسان ماله من حقوق وما عليه من واجبات من خلال الآليات وأنظمة الدولة والوصول إلى وعي كبير لحدود المسؤولية بين الفرد والمجتمع من ارتباطات حقوقية سواء كانت مادية أو معنوية.

ولعل ابرز المتضررين من قلة الوعي الثقافي القانوني للحقوق هي المرأة، بحكم البيئة التربوية والاجتماعية التي تجعل من العادات والتقاليد السلطة العليا في مصير المرأة وتحديد تفكيرها، فأغلب التشريعات والأعراف تنصب في كون أن لها واجبات قانونية وتنفي أو تهمش حقوقها وحرياتها القانونية وعدم الثقة بقراراتها في الأسرة ومن ثم بالمجتمع، وتتفاقم مع جهلها بتلك القوانين وعدم مقدرتها على استثمار تلك الحقوق في مصلحتها، فالقيد المجتمعي يؤثر في مستقبلها وصنعها لقراراتها الخاصة لكون السلطة في المجتمع دائما بيد الرجل، فهناك الكثير من النساء تتعرض للعنف بجميع أشكاله تحت مفاهيم قمعية وعادات وتقاليد مجتمعية بالية من قبل الأب أو الأخ أو الزوج ولا تستطيع البوح أو الدفاع عن نفسها أو حتى تقديم شكوى بسبب الضغط الذي يمارس فيها من قبل المجتمع ويجبرها على السكوت والصمت وبالتالي سيعتبر اقرارا ضمنيا من قبلها لأحقية الرجل في ضربها وممارسة العنف ضدها باستمرار، وبالتالي ازدياد أعداد النساء المعرضات للعنف، وكل ذلك بسبب القيود المجتمعية التي تفرض عليها وضدها وجهلها بالقوانين التي تصون كرامتها وحقها في حياة كريمة وآمنة مع بقية أفراد المجتمع، كما أن العرف الاجتماعي لا يزال يشوبه الغموض فيما يخص أحقية ولي الأمر بالتحكم بقرارات المرأة في العائلة، فهو لا يزال يستطيع تزويج الفتاة مثلما يرغب بدون الرجوع لرأيها، أو أن يعضلها( أي يمنعها من الزواج ممن ترغب)، كما أن حقوق المرأة المطلقة ممثلئة بالثغرات الغير واضحة، والتي تنصب لمصلحة الرجل في النهاية حين يتعلق بنفقة الأطفال أو بإعطاء الجنسية لأطفالها حين تتزوج من غير جنسيتها وغيرها، كما أن التحرشات والإغتصابات التي تتعرض لها يتم التكتم عليها بسبب مفهوم العيب والفضيحة وبالتالي غياب الجاني من يد القانون واضطهاد الأسرة لها وتعذيبهم الدائم والمستمر لها مما قد يسبب عاهات جسدية ونفسية فيها، وكل ذلك بسبب جهل المرأة بحقوقها القانونية، وعدم وجود قوانين واضحة ومعممة فيما يختص بحمايتها من المشاكل التي تتعرض لها، فالمرأة بحاجة لقوانين تحميها وتساعدها وتزيد ثقتها بنفسها وبقدراتها في صناعة القرار.
ولعل أفضل وسيلة لحل تلك الثغرات في تلك القضايا بجعل المعلومة القانونية في متناول الجميع، وضرورة محاسبة الفساد ( المحسوبية والواسطة) الذي قد يؤثر في سير العدالة لجميع الأفراد عن طريق المؤسسات الإعلامية والتربوية والقضائية، بنشر حملة توعية مستمرة تختص بتوضيح وشرح القوانين، وكذلك إضافة جزئية في المنهج الدراسي تحتوي على مواد تثقيفية بحقوق الإنسان القانونية واحترام الحريات دون تمييز واجب كل دولة تهتم بصيانة كرامة الإنسان في مجتمعها، كما أن من الجيد وضع تشريعات قانونية جديدة تتناسب مع الأوضاع الحالية تساعد في جعل المرأة مساهما فعالا في التنمية ولها دور مساو للرجل ويحفظ مكانتها.


مقالي المنشور بجريدة الرؤية بتاريخ / ٧/ نوفمبر/ ٢٠١٢ 



المرأة والحداثة في المجتمع


الحداثة بمفهومها الشامل عبارة عن عناصر وعلاقات وأنشطة تكون المجتمع المتطور، باستخدام العقل والعلم والتقنية، لإطلاق حرية الفكر وحرية التعبير والتنظيم بلا قيود لأجل تنمية جميع المجالات، وتطالب بإصلاحات اجتماعية كذلك، واستحداث طرق مختلفة ومغايرة ومتجددة عن المفاهيم السابقة والتقليدية التي ما عادت تستطيع أن تدير الثورة الفكرية والفلسفية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية والسلوكية التي تمر بها المجتمعات في الحاضر.
فالحداثة تعتمد على العقل لإنتاج مبادئ وثقافات لمصلحة الفرد وحريته، وبحسب تعريف الحرية بالنسبة للحداثة في كتاب " فلسفة الحداثة " لـ فتحي التركي ورشيدة التركي: تعطي الحق للفرد بأن لا يخضع في المجتمع إلا للقوانين العامة التي تنظم الحياة وتضمن المصلحة العامة، ويعني ذلك أن على المجتمع أن يضمن كرامة الإنسان، فلا يجوز اعتقاله أو سجنه أو تعذيبه أو قتله بإرادة اعتباطية لأي فرد"، وعلى ضوء هذا التعريف فأن الحداثة تسعى إلى إجراء تغيرات عميقة في مختلف المجالات لغاية الإنسان وتمسكه بالحرية والمعرفة العلمية، استجابة لمعطيات التطور في جميع المجالات، وقد ذكر الكاتب حسين العودات في كتابة " النهضة والحداثة " على أن الحداثة تقوم على عدة أسس( أولها احترام الفردية، بمعنى إعطاء الفرد باعتباره كياناً مستقلاً له حقوقه السياسية في ظل نظام ديمقراطي يؤمن بالتعددية السياسية والحزبية والحقوق الاقتصادية التي تتمثل في حق الفرد في التنقل والعمل بغير إجبار، والحقوق الاجتماعية والثقافية، والتي تتمثل في الخدمات التي توفرها الدولة للمواطنين، ومن أسس الحداثة كذلك الاعتماد على العلم والتكنولوجيا لإشباع الحاجات المادية لملايين السكان).
وعلى ضوء هذا المدخل الذي ابتدأته في هذا المقال، نأتي إلى حقوق المرأة في المجتمع وأبعاد الحداثة المترتبة عليها، خاصة في ظل احتفالية المجتمع بيوم المرأة العماني الأسبوع المنصرم، وأثر تلك الإحداثيات التي مرت على وضعية المرأة في المجتمع وتأثير المورث الاجتماعي المقدس عن إحداث التغيير وتقبل المجتمع لآلية التنفيذ، فالمرأة في المجتمع لا تزال تواجه تحديات تمنعها من صناعة مستقبلها وتدرك مكانتها وقدراتها ودورها في صناعة الحداثة، فالحداثة تعطي وتبرز قيمة الفرد في التفاعلات والتطورات التي تحدث في المجتمع، وتبرز قيم المساواة والحقوق بين جميع الأفراد، وحين نأتي للحدث فأن إشهار الفريق النسائي للدراجات الهوائية في سمائل الذي تم في يوم المرأة العمانية تحديداً ومن ثم التراجع السريع عنه في اليوم التالي، يحط من قيمة المرأة في المجتمع وينفي المساواة بين جميع أفراده، فقد انتشرت محاورات ورسائل بين بعض الأفراد تنتقص من دور المرأة وتصورها كائنا غير إنساني وناقص معرفيا وحقوقيا وإدراكياً أو أي شكل من أشكال النقص لثقافة الاحتقار الفكري للمرأة بين فئات معينة في المجتمع، والمدهش حتى من قبل نساء المجتمع نفسه، فالمرأة نفسها تحارب الحداثة وترسخ لديها ثقافة الدونية وتحقير المرأة وتروض فكرها على التبعية والصورة السلبية التي ينقلها المجتمع لها، وذلك يدل على أن الحداثة مقتصرة ومحددة في جوانب يحددها ويصورها بعض الأفراد بصورة محددة وليست متساوية للكل، فالتجارب الحداثية التي تحاول أن يكون لها وقع متفرد وخاص، محاربة حين توضع في منظومة العادات والتقاليد، فسلطة العادات والتقاليد تهيمن على العقل والفعل والرغبة باستحداث الجديد والحديث من أجل الحرية و المصلحة الفردية وتنسف العقل والعقلانية والعلمية، حيث يكون مبدأها غيبيا ومقتصرا باعتقادات سابقة تؤثر على الحركة الحداثية في المجتمع بالمجمل، فمسألة دور المرأة الحداثي وحريتها مسألة سهلة على مستوى الخطاب والكلام، ولكن المرأة تعاني كثيراً حين يتعلق بالمرور على التراث التقليدي والاجتماعي الذي يكرر نفسه عبر الأجيال والقرون، من أجل البناء الواضح والشفاف والصريح للعمل المتساوي بين الجميع في المجتمع.
دور المرأة في الحداثة ومعرفة حرياتها ليست فعلا تلقائي أو أوامر، وإنما يجب أن يتم عبر وعي ذاتي منبثق من النساء يعكس الإدراك المعني الذي تؤمن فيه المرأة بضرورة تفعيل دورها في المجتمع ومساواتها بالحقوق والواجبات والحريات، وضرورة وعي المراة بالجانب الحقوقي والقانوني والثقافي من ضمن أهم وأعمق أشكال الوعي فهو المحفز لقدراتها والمطمئن لخطواتها، وهو شرط أساسي لمجتمع يريد أن يتطور ويواكب عصره عندما يكون للمرأة فيه دور حداثي وفعلي يساهم في بناءه.
أسهم التراث والعادات والتقاليد في عرقلة دخول الحداثة ومنعها من أن تؤدي دورها، وهمشها وعزلها، خاصة من حيث دور المرأة في المجتمع، وأقنعت الجميع في عدة مناسبات بأن الحداثة معادية لهم ولثقافتهم ودينهم وحضارتهم، مما أدى إلى أنغلق المجتمع عن التعاطي مع مستحدثات العالم ومنع أي أبداع وحرية هدفها تطور المجتمع بصفه عامة والفرد بصفة خاصة، وكل ذلك أسبابه دور بعض الجماعات في عرقلة ووضع عوائق لمنع انتقاد والتدقيق أو مناقشة التراث من الناحية الإنسانية والحضارية، مما أدى إلى ازدواجية السلوك حين ينفرد بعض الجماعات في تهميش دور أفراد معنيون كالمرأة، ودائما ما يضعون عقبة العادات والتقاليد في طريق حرمانها من حقوقها الأساسية، فالرقيب الذي يمارس دور فرض الوصاية يتحكم في مقدار تلقي المعلومات والحقائق والمقدرات والحقوق والحريات لكل فرد في المجتمع.

نشر بجريدة الرؤية بتاريخ 24/ أكتوبر /2012

عُسر القراءة


في كل عام دراسي، يتوالى الحديث لدى كادر الدراسة وأولياء الأمور عن أزمة صعوبات التعلم لدى طلبة المدارس، تتصاعد الشكاوى من تراجع المستوى التعليمي والدراسي في إتقان اللغة العربية تحديداً، وأغلب شكاوى أولياء الأمور منطلقة من المستوى الذي يجب أن يتعامل به المعلم مع الطلبة، بدون إيجاد منهج أو حلول تلامس جوهر المشكلة الذي سيؤثر كثيراً في مراحل القراءة لدى الأجيال القادمة بالمجمل.
مشكلة صعوبة التعلم كثيرة ومتشعبة الأبعاد، وهي ليست بسطحية وعابرة كم قد يظن البعض، وإنما تؤثر في مقدار تنمية الفرد لعادة قيمة ستستمر معه مدى الحياة وهي عادة القراءة، وحين نبحث عن أسباب المشكلة تظهر دائما مشكلة عسر القراءة، وحين نأتي إلى تعريف مصطلح عسر القراءة فهو اضطراب تعلمي كصعوبة في القراءة والهجاء، ويصيب جميع مستويات الذكاء ( المتوسط، فوق المتوسط، والعالي ). أسباب عسر القراءة مختلفة منها عيوب غير عصبية بالرؤية أو السمع، أو بسبب ضعف مستوى تعلم القراءة في المؤسسة التعليمية، وتتمثل أعراضه في مراحل السنوات الأولى من حياة الطفل كالتأخر في النطق والتأخر في تعلم الكلمات جديدة، ومن ثم في مرحلة الروضة تظهر الأعراض في صعوبة تعلم ونطق الحروف الأبجدية أو استرجاع لكلمة جديدة تعلمها الطفل خلال اليوم، وبعد ذلك تظهر الأعراض بشكل واضح في المراحل الدراسية المتقدمة كالخلط بين الكلمات ومعانيها، و صعوبة في نطق الكلمات وتهجئتها، وصعوبة في فك جملة وشرحها وقراءتها، وكذلك صعوبة في استيعاب المعاني والنحو، وكل هذه الأعراض تظهر خلال المراحل الدراسية للطالب الذي قد يكون معرض لمشكلة عسر القراءة.
 هناك الكثير من الدراسات والأبحاث التي وضعت من أجل حل هذه الإشكالية لمحاولة معرفة الأسباب وعلاجها، واتفقت على ضرورة تهيئة المقاعد الدراسية لعلاج عسر القراءة، ونحن بأمس حاجة لتلك الدراسات لمحاولة علاج عسر القراءة وصعوبتها لدى الطلبة، فالمشكلة بازدياد واضح لدى طلبة المراحل الأولى من المدارس، وتزداد عند عدم الوعي بخطورة المشكلة في المراحل الدراسية القادمة عند الطالب، فيقل المستوى ألتحصيلي (ألإدراكي والمعرفي) لديه.
من الواضح أن أهم مرحلة للتعليم هي مرحلة الطفولة، فالأطفال أكثر قدرة على تقبل المعارف الجديدة بصورة سهلة تترسخ معهم طول حياتهم، وأفضل طريقة وضعها الباحثون لتعلم مهارة القراء وعلاجاً لمشكلة عسر القراءة هي بالطريقة الصوتية، كحال الطفل المولود في السنة الأولى من حياته، يتعلم الكلام بالإنصات للأصوات من حوله، ويحاول تقليدها، فهذه الطريقة تساعد الطالب في المراحل الأولى وتحفزه على حب القراءة وتثير انتباهه، فقد أظهرت البحوث أن الأطفال يصبحون قراء ماهرين عندما يتضمن تدريسهم استخدام الطريقة الصوتية، ونحن بحاجة لوضع منهجية جديدة في الأسلوب الدراسي للمراحل الأولى من الدراسة تتضمن طريقة الصوت، كما تتضمن تدريبات وتطبيقات أعدت خصيصا على الطريقة الصوتية، كما تهيئ كادر دراسي جديد مؤهلين تأهيلا فعالا لتعليم الطلبة متعة القراءة وحبها، والتعلم بالصوت يعزز من الرغبة في التعلم والقراءة، فالصورة التقليدية الحالية لمؤلفات الكتب الدراسية ما عادت تستطيع علاج مشكلة عسر القراءة أو إتقانها، وإنما تساهم في عدم استيعابه للكثير من المصطلحات والمفردات بسبب مشكلة عسر القراءة لديه، كما أن الطريقة الصوتية تساعد على التقليل من عدد الكتب في الحقيبة المدرسية لاعتمادها على التعلم في الصف.

قد يساهم تخصيص مادة دراسية في المنهج، يومية، مصغرة وسهلة وبسيطة عن القراءة بالمجمل ( كيف تقرا كتاب، كتاب الأسبوع، أهم الإصدارات الأدبية والعلمية ) في حل مشكلة صعوبة القراءة لطلبة المراحل المتقدمة في الدراسة، فهذه المنهجية تساعد الطالب على حب المطالعة والقراءة، فالطالب بحاجة إلى تبسيط اللغة والقراءة بصورة غير إلزامية في النحويات، وإنما تضاف مادة تخصصية في النحويات للصفوف الدراسية / الحادي عشر والثاني عشر، وكملاحظة يجب أن تأخذ في عين الاعتبار فأن وعي معلم اللغة العربية على أهمية دوره في إيصال المعرفة والمعلومات والتعريفات بصورة مبتكرة ومتجددة، عن طريق تفعيل المدارك اللغوية بصورة أمثلة وقصص من الواقع والكتب المختلفة تجذب الطالب لحب القراءة، فهي من أهم المنطلقات التي تجعل الطالب مقبل على المادة بصورة ايجابية وملموسة، بالإضافة إلى تفعيل نشاط جماعة القراءة في المدرسة بالمطالعة والبحث عن الكتب (الروائية والأشعار: المحلية أو العربية والعالمية ) لمناقشة الأفكار والمعارف التي اكتسبها الطالب من تلك القراءات، وأراء النقاد حولها، هذه الأنشطة تساعد الطالب على زيادة مداركه الفكرية وتعزز لديه حب الإطلاع والبحث بدون التلقين والحشو الذي يجبر عليه ليس من أجل زيادة المستوى ألتحصيلي فحسب وإنما من أجل زيادة المستوى المعرفي والإدراكي لديه.
وفي الأخير، فأن أهمية القراءة تنبع في مدى أدراك الفرد والمجتمعات لأهمية حب اكتشاف الذات والرغبة بالمعرفة، التي توصل إلى أن التطور الحضاري والفكري يمتد من القراءات التاريخية والأيدلوجية لمن سبقونا حتى وصولها إلينا الآن، كتجارب وبحوث أضافت الكثير في أدواتنا الفكرية، وتلك المعرفة ليست بالضرورة أن تكون منهجا لحياتنا ولكنها تجعلنا نسطر الحاضر المختلف والمتجدد بإتقان ضروري من أجل التطور الفكري والحضاري لأجلنا ولأجل من سيأتي بعدنا في المستقبل، وأي مجتمع متطور ومنفتح للعلم وجميع الثقافات هو المجتمع الذي يكون أفراده قراء، ولا يتم ذلك إلا عن طريق تهيئة المؤسسات التعليمية لدينا لضرورة استيعاب جميع المستويات ألإدراكية لجميع الطلبة، لخلق جيل قادر على القراءة ومحب لها.

 نشر بجريدة الرؤية بتاريخ 17/ أكتوبر/ 2012

محل بيع الدواجن


هناك أحداث في المجتمع حين كنا صغارا تلفت انتبهنا ولا نعيرها الاهتمام، ولكن سرعان ما تكون لها آثر بمجمل حياتنا ومنظومتنا الفكرية والمجتمعية الحالية، فعلى سبيل المثال محل بيع الدواجن، كثيرا ما كان يلفت انتباهي عندما كنت صغيرة، فلذلك الدكان تأثير على واقعنا المعاش حاليا، ليس في وجوده وإنما في الفكرة التي انطوت عليه بعدها.
الجزار ( وربما تكون تسمية جزار لذلك العامل لا تستساغ للقارئ أو المجتمع، فالجزار بالنسبة إليهم هو من يذبح الحيوانات ذات الأحجام الكبيرة ) الذي يعمل في المحل يمارس عمله بكل هدوء وروية من قطع لعنق الدجاجة، وإزالة ريشها عن الجلد، وتقطيعها ومن ثم تسليمها لزبون، ولا يهتم أو يعير اهتمامه لمنظرنا حال الدخول إلى محله، فرائحة الدجاج المحبوس في القفص بانتظار موعدها لذبح، ورائحة الدجاجة التي نزع الريش عنها، ورائحة الدماء التي تعبق في أروقة المحل، ورائحة طعامها الممتلئ بالماء في القفص، كل تلك الروائح و المشاهد التي تتلقفنا حال دخولنا باب المحل، لا تثير لدى العامل أي حنق، فهو يعلم أن تلك المشاهد سرعان ما تتلاشى حال استجابته لطلب الزبون، فهو يمارس روتينه المعتاد في المحل من شرب الشاي والاستماع للإذاعة وقراءته للصحيفة، ببساطة! ولكنها حالة نفسية واجتماعية متجذره في أفراد المجتمع، فنحن سريعا ما نعتاد على تلك المشاهد ولا نتأثر بتلك الروائح، ليقننا أن شعورنا سوف يتلاشى ما أن يحل الظلام في العين.

ذلك هو الإنسان في المجتمع، سريع التعود على المناظر البشعة وكأنه يخلق تلك الظروف التي يعيشها، فذلك الجزار هو صورة الأحداث اليومية التي تحدث في العالم من إرهاب وقتل وحروب وقيد، ما أن نراها تمتصنا في تلك البؤرة وتأخذنا إليها لنعتاد عليها، وتصبح غذائنا اليومي بدون مقاومة تذكر منا.
صورة المشاهد التي تعرضها شاشة التلفاز يوميا ( الحروب والإرهاب والأحداث العالمية وكذلك الحوادث المحلية التي أصبحت غذائنا اليومي) لا تشكل أي تأثير في فكر الفرد مجتمعيا، سوى بمقدار دخوله للحدث لحظتها، كلحظة دخوله لمحل بيع الدواجن، فقد أعطتنا تلك الأحداث مناعة ضد المقاومة وعدم الرغبة بالتفكير فيها، كالمخدر طويل الأمد لا نصحو منه، شبيه بتعودنا على رائحة محل سلخ الدواجن.

الحدث التي أطلعتنا عليه بعض الصحف وشاشة التلفاز، ومواقع الانترنت لمنظر طفلة في عمر السنة، وقد فصل رأسها عن جسدها بصورة وحشية، لا تكفي الكلمات لوصف تلك البشاعة التي مورست بحق تلك الطفلة السورية، حين انتفض جسدها ساعتها ولم ينتفض إليها أحد، ولم يهتم أحد بحجم الوجع الذي ألم بأسرتها وهي ترى البراءة في جسد طفلتهم بدون ابتسامة وضحكة وجهها، ما ذنب تلك الطفولة التي مارس الجزار البشاعة في حقها، ونحن نتابع تلك المشاهد بصورة دائمة وما عدت تؤدي إلى ردة فعل تذكر.
ومشاهد الأنهر من الدماء التي تتنافس المواقع الإخبارية على نشرها، وكأن تلك المناظر ما عدت تؤثر في أحد، وأصبح الإنسان في المجتمع لا يعي معنى الإنسانية،
وفي المقابل أتفاجأ بحجم تلك الانتفاضة التي شحنت لها كل الغضب والحقد في المجتمع العربي والعالمي ( الفلم المسيء )   فجميع الشبكات الإخبارية والحكومات العربية فعلت المستحيل لإيقاف فلم سخيف لا يمس الإنسانية في شيء، سوى أنها لحظات خيالية لكاتب أراد أن يصور أحداث لا وجود لها.
فهذا التناقض في الإنسان الذي دائما ما يبحث عن الوجود في الحياة، ودائما ما تنتابه رغبة بالحضور في أنفاس الآخرين، نجده غارقا في تناقضات يجهل أسبابها، مسوغة أحيانا على ما تنطوي عليها الأحداث التي تمسه تاريخيا أكثر من أن تحرك شعره من مشاعره الإنسانية، فكلما حاول أن يخطو خطوته إلى الأمام، انغرزت قدمه في تربة لم يصنعه هو، بل كانت لمزارعين وضعوا بذور تناسبت مع مناخ أجوائهم، وما عادت تصلح لوجود تلك الشجرة بيننا الآن، فما يظنه الآن دفاعاً عن أفكار سابقة وضعته في حالة عجز عن الحراك، فهو يستنسخ عدد كبيرا من الأفكار والمواقف التاريخية السابقة بصورة مشوهه، ويجر من حوله على التمسك بها بدون وعي.
محل سلخ الدواجن وزبائنه، شبيه بحالة الفرد في المجتمع اليوم، فالأحداث التي يمر بها ما عادت تؤثر فيه.

نشر بجريدة الرؤية بتاريخ 26/ سبتمبر/2012 


الحقيبة المدرسية .. إلى متى؟!


يشهد انتباهي يومياً و كل صباح مشهد لتلاميذ يحملون حقيبة تفوق مقدرتهم على حملها، وتخفي خلفها تلميذاً صغير السن غير قادر على تحمل وزن حقيبته المدرسية على ظهره، أو لكتف تلميذ في سنواته الأخيرة من المدرسة وقد تمايل مع تمايل وزن ثقل الحقيبة على كتفه.
وكمدخل فالمشهد السابق يؤثر في المستوى ألتحصيلي للطلبة وعلى رغبتهم بالتعلم وهنا أتساءل: الحقيبة المدرسية.. إلى متى؟ عدد كبير من تلاميذ المدارس يعانون من آلام الظهر في سن الرابعة عشر من عمرهم، وهناك ارتفاع متزايد لحالات تشوهات العمود الفقري والعضلات، فأغلب الحقائب المدرسية وزنها يصل ما بين 15 إلى 25% من وزن التلميذ، وهو ما يؤثر مع مرور الوقت على وزن العمود الفقري ويؤدي لاحقا إلى إصابة الطالب بأوجاع مزمنة وضغط نفسي متواصل ويومي.
تؤكد أحدث الدراسات الطبية أن حمل الطالب للحقيبة المدرسية لمدة 15 دقيقة يعرض ظهر الطالب لاضطرا بات في العمود الفقري خلال فترة لا تتجاوز سبعة أشهر إذا زادت عن 15% من وزنه أو حملها بطريقة خطأ، وتواصل الدراسة سردها إلى أن نسبة الإصابة بأمراض الظهر لدى الأطفال حاملي الحقائب الثقيلة على احد الكتفين تبلغ 30% وتتناقص إلى 7% فقط في حال حملها على الكتفين.
أصبحت الحقيبة المدرسية تحتوي على كتب ثقيلة الوزن بمعدل 8 مواد في اليوم الواحد، بالإضافة إلى حمل علبة الماء أو الأكل، غير المشاريع المطلوبة منه أعدادها خلال الواجب المنزلي، والأدوات الرياضية، كل هذا يحمله الطلاب لمدة تصل إلى 12 سنة من سنواته الدراسية في المدرسة وبصورة شبة يومية خلال العام الدراسي، مما يؤثر سلبا على مستواه الدراسي، وقد تكون سببا في تردي مستواه وعدم تقبله لمفهوم المدرسة في ظل هذا العذاب اليومي والمستمر، ومن ضمن أهم أسباب المشكلة هو إهمال أولياء الأمور أو المعلم لمتابعة الجدول المدرسي باستمرار، فالمعلم قد يطلب من التلاميذ جلب جميع الكتب الدراسية يوميا في حالة توافر حصة فراغ في اليوم، غير أن أولياء الأمور عند شرائهم للمستلزمات الدراسية لا يراعون أن تكون الحقيبة صحية وخفيفة الوزن في ظل توافر تنوع مختلف لشكل الحقائب المدرسية، وبالتالي يهتم ولي الأمر بشكل الحقيبة أكثر من اهتمامه بتأثيرها الصحي على أبنائه، كما أن الحقيبة ذات العجلات لم تحل المشكلة وإنما إضافة زيادة في وزن الحقيبة، فالطريق إلى المدرسة أو داخلها في الغالب غير معبد كي يسهل جر الحقيبة.

المدارس تلعب دور في ازدياد المعانة اليومية لحمل التلميذ للحقيبة فعدم الانتظام أثناء الطابور والتدافع الشديد في الحافلة والفصل، والمسافة الطويلة لوصول التلميذ إلى المدرسة أو رجوعه إلى المنزل، كل ذلك يزيد من حجم المشكلة ويؤثر سلباً على أدائه في التعلم وتقبله للدراسة بصورة صحية وصحيحة ومرضية.
عند الرجوع إلى المشاكل الصحية التي تسببها ثقل الحقيبة المدرسية على الطالب، سنلاحظ: التعب، توتر العضلات، الآم الظهر، تشوه في العمود الفقري، الضغط على الكتفين، أوجاع في الرقبة.
وبالرغم من وضع جدول للحصص المدرسية، فلا تزال المشكلة الصحية للطالب معرضة لانتكاسات وأوجاع، لذلك نحن بحاجة لتكاتف مسئولي التربية لحل هذه المشكلة وتفعيل دورهم لرفع وعي الطلبة وأولياء الأمور والمعلمين كذلك بالأخطار الصحية التي يصاب بها التلميذ خلال حملة لحقيبة ثقيلة الوزن، ووضع آلية لتنفيذ حمله مستمرة ودائمة حول المخاطر التي يتعرض لها الطالب جراء حمله لحقيبة ثقيلة الوزن، فبعض الأبناء يصر على حمل جميع الكتب المدرسية قلقا على مستواه الدراسي، وكحل يجب على أولياء الأمور التشاور مع المعلمين لوضع مقترحات تساعد على إزالة ذلك القلق من التلميذ، كما أن من المفضل متابعة ولي الأمر لحقيبة أبنائه وخاصة الصفوف الأولى، فكثيرا من التلاميذ يضعون مواد وأدوات في الحقيبة لا حاجة إليها في المدرسة.
وكمقترح موجه إلى وزارة التربية والتعليم يساعد على التخفيف من المشكلة، اقترح بناء خزائن في كل مدرسة يحتفظ فيها الطالب بكل أدواته الدراسية التي يحتاج إليها خلال تواجده في اليوم الدراسي، فهي تخفف من ثقل الحقيبة وتساعد على تركيز الطالب بالدراسة خلال المدة الزمنية التي يقضيها في المدرسة.
بالإضافة إلى الاعتماد على آلية تنفذ فيها طرق جديدة لحل الواجبات المدرسية بدون الاعتماد الكلي على وجود الكتب بحوزة الطالب، وإنما بالبحث المختلف للكتب المتوفرة في المكتبات، لزيادة مدارك الطالب.
كما أقترح تخصيص فترة زمنية في جدول الحصص لحل الواجبات المدرسية أثناء المدرسة، واقصد بذلك الواجبات التي تعتمد على شرح الدرس في اليوم.
كذلك ينبغي متابعة الحقائب المدرسية للطلبة في المدارس، وتأليف كتيبات ونشرات توعي أولياء الأمور بأهمية شراء حقيبة صحية لا تؤثر على صحة الطالب وخاصة من هم في السنوات الأولى من الدراسة، وبما أن الفصل مقسم إلى فصلين من الجيد اعتماد الدفاتر ذات عدد الأوراق الأقل لكل مادة بنهاية الفصل الدراسي.
يمكن أيضا إدخال المنهج الالكتروني في الدراسة ربما يكون ذلك حلا وإن كان من الصعوبة تطبيقه في الوقت الحالي، فلا تزال هناك عائلات لا تستطيع توفير تلك التقنية لأبنائها، بسبب غلاء التقنية وقلة المدخول المادي للعائلة.
أما الوعي فهو بلا شك أهم نقطة لحل أية إشكالية يواجهها المجتمع، الوعي بالنظام والوعي بضرورة توفير الأدوات الضرورية والوعي بالمحافظة عليها وصيانتها المستمرة، إن تكثيف برامج التوعية بكل ما يحيط بالحقيبة المدرسية سوف يسهم في تفادي الثقل في الكتب والدفاتر المدرسية الذي يتعرض له الطالب بسبب كتب قد تكون ممتلئة بالتلقين أكثر من امتلائها بالبحث والمعرفة.

نشر بجريدة الرؤية بتاريخ 23/ سبتمبر/ 2012

حملة توعية بالأمراض الوراثية


المرض الوراثي هو حالة مرضية ناتجة عن خلل أو اضطراب في جين واحد أو أكثر، يمكن لبعض هذه الأمراض الانتقال من جيل إلى آخر ولكن غالبا ما تصيب الفرد أثناء الحياة الجنينية، وفي ظل هذا التعريف فأن المرض الوراثي ينتقل عبر الجينات أو المورثات من الأبوين إلى الأبناء، ونادرا ما يكون هناك علاجات فعالة للمرض الوراثي، والسبب في ذلك الجين المصاب المتوارث الذي سيؤثر على الأجيال القادمة في الولادات، وبحسب الإحصائية المتوافرة من وزارة الصحة فإن 6 % من العمانيين يحملون جين أو مورث مرض الخلية المنجلية و 2 % مرض الثلاسيميا وأكثر من 20 % مرض نقص الخميرة الفولي، بالإضافة إلى أمراض الجهاز العصبي الوراثية مثل التخلف العقلي والضمور العضلي واختلال الهرومونات في الجهاز العصبي وغيرها، التي تكشف أن المرض الوراثي في ازدياد بصورة خطيرة وواضحة.
 إن جميع الأمراض الوراثية تخلق عذاب مستمر للأطفال المصابين بها، وتؤثر سلبا على الأسرة التي يجب أن تركز عنايتها للطفل المصاب، وتكون تلك الأسرة أبعد ما تكون عن الراحة في ظل طفل يعاني طوال حياته من ذلك المرض، كما أن الوفيات التي تحدث في أقسام الأطفال بالمستشفيات غالبا ما تكون بسبب الأمراض الوراثية،  والجدير بالذكر أن أحد أنماط الأمراض الوراثية سببها زواج الأقارب، فزواج الأقارب يزيد فرصة إصابة الأبناء ببعض الأمراض الوراثية إلى ستة وعشرين ضعفاً أو أكثر، وهناك أمراض وراثية تشيع في عائلات بعينها، ويؤدي الزواج بين أفرادها إلى نقل هذه الأمراض الوراثية إلى الأجيال القادمة، وكلما بعدت درجة القرابة بين الزوجين قل احتمال انتقال المرض إلى أطفالهم. وكلنا نعلم أن زواج الأقارب شائع بدرجة كبيرة في العالم العربي.
لذا نحن بحاجة إلى حملة مستمرة ودائمة للتوعية، وكذلك لمتابعة الأمراض الوراثية في السلطنة بأشراف من وزارة الصحة، فالوقاية دائما خير من العلاج، فعند الوعي بمسببات المرض الوراثي نقلل من نسبة وجود تلك الأمراض، والتطور في مجالات الطب يكشف المرض الوراثي عن طريق عمل التحاليل اللازمة لكل فرد في العائلة، ففي الوقت الحالي توافرت أدوات تكنولوجية متطورة في المختبرات لفحص الجسم البشري، وكل ما نحتاجه هو رفع ثقافة الأطباء الممارسين للمهنة وتوعية الأفراد المنتفعين بالرعاية الطبية، فمن حق المواطن أن تتكفل الدولة لإيجاد حلول لأي مشكلة قد تؤدي إلى ازدياد أعداد المواليد المعرضين للأمراض الوراثية، فالتقنية الطبية المتطورة حاليا تكشف الطفرات الوراثية بطرق بسيطة عن طريق الدم أو البروتين في جسم الإنسان، كما أن من المهم أن نجري فحوصات للأفراد عند البلوغ، وليس فقط عند رغبتهم بالفحص قبل الزواج، وعمل التحاليل خلال الحمل يساعد على تهيئة الأسرة وكذلك الطاقم الطبي للمولود القادم أن كان مصابا، مما قد يقلل من حجم الانتكاسات التي سيتعرض لها مستقبلا.
ترفض كثير من الأسر عمل تحاليل للجنين أثناء الحمل، لأسباب قلة الوعي بخطورة الوضع المقبلين عليه، ولذا نحن بحاجة إلى لجنة لدعم الأسرة في كل مستشفى تعني بتثقيف كل عائلة مقبلة على الإنجاب، بحضور الأم والأب ولا يتركز فقط بحضور الأم، كموعد يخصص لهما لحضوره، ويفضل أن يكون الطبيب المشرف على هذه اللجنة قادر على إيصال المعلومات إلى العائلة باللغة العربية وبمقدرته على تثقيف الأسرة عن الأمراض الوراثية بصورة سهلة وواضحة، فللأسف لا تزال هناك أسر لا تعي حجم المشكلة التي يتعرض لهم أطفالهم بإنجابهم المزيد من الأطفال المعرضين لذات المرض، وليس لديهم أي إدراك بكون أن ذلك الطفل المصاب بالمرض الوراثي سيورثه لأطفاله بالمستقبل مما قد يؤدي إلى خلق عاهات وراثية من الصعب علاجها ومن المؤلم وجودها، فمن المؤلم رؤية طفل غير قادر على التمتع بالحياة بصورة صحية، ومن الموجع تكرار تلك الرؤية في العائلة.
بالإضافة إلى الحاجة إلى عيادة مختصة بالأمراض الوراثية في كل مستشفى، وعمل سجلات متابعة لكل أسرة أصيبوا بأمراض وراثية لسرعة تشخيص المرض أن أصيب به احد أفراد الأسرة مستقبلا، كما يجب أن تتوافر في العيادة مختبرات تعني بالكشف عن الأمراض الوراثية مبكرا، وتوافر كادر فني مدرب للتركيز على هذا النشاط في العيادة.
بالإضافة إلى ذلك هناك حاجة إلى التركيز على توعية الطلاب بالأمراض الوراثية، عن طريق تدريس مادة مخصصة بالأمراض الوراثية في السنوات الأخيرة من المدرسة ضمن منهج العلوم بالاستعانة بأطباء لشرح الأمراض الوراثية.
في استطاعتنا أن نقلل من قلة وعينا بالأمراض الوراثية بزيادة حملات التوعية عنه مع الشرح العلمي المبسط لخطورته، إن المعتقدات التي قد تؤثر في فكر بعض الأسر بالرضا بالقسمة والنصيب بالولادات قد يتناسون أنهم أحد أسباب تلك الأمراض، كما أن من حق الطفل عليهم أن يكون صحيحا معافى. ففقدان طفل بسبب مرض وراثي موقف يصعب تخيله، ولكن تكرره يعتبر إهمالا وعدم اهتمام بإنسانية ذلك الطفل، فالطفل المصاب يتعرض لأوجاع نفسية وجسدية تفوق مقدرته على التحمل.

نشر بجريدة الرؤية بتاريخ 19/ سبتمبر/ 2012



خلل التوظيف


تركزت في الفترة الماضية بجميع وسائل الأعلام إعلانات الوظائف التي كشفت عن وجود خلل كبير وفجوة عميقة في استراتيجية التوظيف لدى المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص بالمجمل، كما يظهر ضعف في تفعيل دور وحدات الرقابة لدى وزارة القوى العاملة في السنوات الماضية.
فكيف من المعقول أن تنبثق ما يقارب عن 56 ألف وظيفة للباحثين عن العمل (36 ألف للقطاع العام والمدني، و 20 ألف للقطاع الخاص ) كأنه لم يكن في الدولة من موظفين!بعد إعلان سابق منذ حوالي سنة عن صدور أوامر سامية بتوفير 50 ألف وظيفة لوظائف سابقه؟ فهل هناك خلل في التوظيف أو في الباحث عن العمل أو في وجود خلل في احتواء أزمة الباحثين؟
الرقم أعلاه للوظائف والباحثين عن العمل يدل على وجود عدد لا يستهان به من العاطلين عن العمل في السلطنة، وتلك إشكالية خطيرة في ضوء بناء الدول المدنية، وفي ضوء التحديات التي يواجهها سوق العمل في السلطنة وفي العالم بالمجمل يكشف عن وجود اختلالات هيكلية في سرعة توظيف تلك الكوادر البشرية، فالحكومة وضعت قوانين ويجب على المؤسسات تطبيقها وتفعيلها والعمل عليها كي تحتوي تلك المشكلة بصورة سريعة ونافذة.
فكل فرد يبحث عن الأمان الوظيفي الذي هو لازم على الدولة توفيره، كما يجب أن نضع في عين الاعتبار مشكلات وهموم القطاع الخاص الذي يعزف الكثير من الشباب الدخول إلى معترك العمل فيه، و التنقلات التي تحدث بصورة شبه يومية للموظف من وظيفة للأخرى ينبغي متابعتها ومعرفة وجه الخلل بالمشكلة وتلافي الجوانب السلبية فيها، بالإضافة إلى إن نقطة الخبرة الذي يبحث عنها غالبا القطاع المدني والخاص تنقص لدى الباحثين عن عمل في ضوء عدم وجودهم في سوق العمل سابقا، وهناك المخرجات التعليمية لسوق العمل من الطلاب وهي تتجدد سنوياً، فهي الاستراتيجية التي وضعتها وزارة القوى العاملة لتلافي بطء العملية التنموية والوظيفة لهذه الكوادر البشرية ؟
إن أية استراتيجية مأمولة لتوظيف الكوادر البشرية في القطاع الخاص عليها أن تستهدف تحقيق النمو على المدى المتوسط والطويل، وأن تضع على رأس قائمة أهدافها تحقيق التوظيف الكامل، ولكن هذا لا يتحقق فقط من جانب الحكومات، بل هي شراكة يفترض على جميع الأفراد التكاتف من أجل حلها. تأخذ في اعتبارها دروس وتجارب التنمية الماضية، وتضع ضمن أولوياتها تحقيق فرص العمل للعمالة المحلية.
المطلوب أيضاً رصد معدلات البطالة المتراكمة، بالعمل على استمرار الارتقاء بالقدرة الذاتية التمويلية، عن طريق الاعتماد الأساسي لقدرات الشباب والثقة بهم، ووجوب ضوابط للاستثمارات الأجنبية بحيث لا يكون توظيفها للعمالة المحلية هامشيا، وإنما لخلق توازن وشراكة تتطلع إليه أي مجتمعات تنموية بين مواطنيها وبين الاستثمارات الأجنبية.
ولضمان زيادة التوظيف يتعين متابعة سياسات التعليم والتدريب وإعادة النظر إليها بين فترة وأخرى، من اجل متابعة حاجيات سوق العمل مع المؤهلات التعليمية والتدريبية للباحث عن العمل،  فمن الأهمية وضع برنامج متواصل لتدريب وتعليم وتوظيف الباحث عن العمل، للارتفاع بمستوى الإنتاجية البشرية في البلاد.
كذلك ينبغي متابعة الاحتكارات التي تحدث لدى الشركات والتي تفرضها في السوق، فهي تؤثر تأثير سلبي بينها وبين الشركات الصغيرة التي تحاول أن يكون لها مكانة في المشروع التنموي للبلاد، فالحكومة هنا مطالبة بتحفيز جميع القطاعات وأخص بها المشاريع الصغيرة للمحافظة على سير العملية التنموية بشكل متساوٍ ومتوازٍ مع القطاع الحكومي الذي لا يزال شاغل الباحث عن العمل، فالقطاع الخاص بحاجة إلى توافر مزايا وحوافز مقررة قانونيا تساعد من جذب الباحث عن العمل للوظيفة وتخفف من الضغط الذي يحدث في القطاع الحكومي، بحيث لا يكون الجانب الاقتصادي للقطاع الخاص مهمل من جانب المؤسسات الحكومية وإنما وضع شراكة بينهم، للاستفادة من خبرات القطاعين في تقليل مشكلة الباحثين عن عمل.
تتطلب استراتيجية تشغيل القوى العاملة أيضا اكتساب أنواع التعليم التي تفي بأغراض سوق العمل وخاصة سوق القطاع الخاص بما يؤدي إلى تعود الفرد على إيجاد حلول لصعوبات العمل، وتلك هي احد أهم المعضلات التي أدت إلى الابتعاد عنه، فالفرد لا يزال لا يتقن إيجاد حلول للمشاكل التي تواجه في سوق العمل، بسبب نقص الخبرات التعليمية التي تساعده على بناء مخطط وخارطة تساعد على احتواء المشروع وتلافي أي خطأ ممكن أن يحدث، ويقلل من اعتماده الكلي على القطاع الحكومي، كما إن أغلب العاطلين عن العمل هم من الشباب الصغار السن الذي يجب على الدولة الانتباه والتركيز عليهم، فهم كوادر بشرية في حاجة إلى الاحتواء والاهتمام.

نشر في جريدة الرؤية بتاريخ 12/ سبتمبر/ 2012