أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الأربعاء، 16 يناير 2013

مدخل إلى الوعي البشري



الدماغ هو الجهاز الأكثر تعقيداً في جسم الإنسان، وهو المتحكم الأساسي بكل جزء فيه بواسطة انسجة عصبية شديدة الحساسية ترسل إشارات إلى اجزاء الجسم بالعمل المحدد الواجب القيام به، فهو المتحكم الرئيسي بكل خلية من جسد الإنسان، كما أن الدماغ هو المحفز الرئيسي للتفكير، وكلما مارس الدماغ التفكير واستنباط المعلومات والبحث والتفاعل مع العلم والعالم من حوله كلما ساهم ذاك في تحسين وظيفة الدماغ، مثلها مثل ممارسة الرياضة البدنية، فالجمود الفكري يؤدي تدهور عمل الدماغ ويسبب فقدان للذاكرة والمهارات الحركية والخمول في كل اجزاء الجسم وبالتالي تدهوره وعدم مقدرته على التفاعل مع مجريات الحياة من حوله.
القيمة المعرفية للدماغ تتجدد وتتطور ويتم تعديلها عن طريق العلم والبحث، ولا يتم ذلك سوى بالوعي، والوعي نابع من داخل الذات بإدراك ما حولنا وتحليله بصورة صحيحة في داخلنا، وبحسب سيغموند فرويد (مؤسس علم التحليل النفسي) فالعقل الواعي يُكون كل شيء داخل وعينا، هذا إلى جانب معالجته الجوانب العقلية في طريقة التفكير والتحدث بصورة عقلانية، فالعقل الواعي يشمل الأحاسيس والتصورات والذكريات والشعور والخيال واستخلاص الافكار منها، وحين يقمع الإنسان الاشياء ويرغب بأن تكون مخفية أو مكبوتة تذهب إلى العقل اللاواعي، فتتركم المشاعر والافكار بداخل العقل اللاواعي، مما قد يكون لها تأثير على سلوكه، كما أن العقل الواعي يكون مسؤول عن جزء من العملية اللاإرادية من الحركة بداخل جسم الإنسان على سبيل المثال: العقل الواعي يوازن ضربات القلب بصورة طبيعية ومنظمة.
ساهم العقل الإنساني الواعي على التطور الحضاري في الكون، وتلك المساهمة تطورت في خلال مراحل وسنوات طويلة حتى وصل الدماغ البشري إلى ما هو عليه في الوقت الحالي من الوعي بالأدوات من حوله، فإنسان الكهف في السابق لم يكن حجم دماغه بمثل ما هو عليه حجم دماغ الإنسان في الوقت الحالي، كما أن المدارك والأدوات والوعي والمعرفة كانت شبة منعدمة لديه، ولكن التطور والتغيير ساهم في خلق تواصل معرفي في الدماغ وتحديدا في العقل، فالعقل لا ينمو في الجمود وإنما تصيبه حالة من الاعاقة الفكرية، كما أن الإنسان الأول بحسب الدراسات والبحوث لم يتطور دماغه بمثل ما عليه الآن ومسألة الإدراك والوعي واللاوعي مرت بمراحل وسنوات طويلة حتى وصولها في الوقت الحالي بمثل ما عليه الآن ، فالتطور والوعي وسيادة الحياة الاجتماعية للبشر ساهمت في إنتاج اختلافات فكرية وعلمية هائلة قابلة للتطور والتغيير واختلافات حضارية مختلفة بحسب البيئة التي يعيشها فيها الإنسان، وبالإمكان رؤية تلك الاختلافات بين إنسان متعلم في مجتمع مدني، وإنسان جاهل في مجتمع قروي، كما أن حاجة الإنسان الأول للبقاء والتكاثر في المجموعات الكبيرة من أجل الاحساس بالأمان ساعد على تطور مقدراته الفكرية، و تلك الجماعات الكبيرة ساهمت بخلق تعقيدات تمثلت في محاولة فهم مشاعر الآخرين (من ألم أو فرح) وأفكارهم وابتكرت اللغة من أجل التواصل مع افراد الجماعة الواحدة ،وبالتالي نمو الذكاء البشري، فالذكاء خوله بأن يبحث عن مهارات تجنبه المرض ويبحث عن مصادر الغذاء، وظهرت الصفات النفسية التي قسمت النفسيات ووضعت المصطلحات، فأصبح الإنسان كائن مفكر.
وعي الإنسان جعله يحاول ابتكار طرق مختلفة تعزز من صلاته بالمحيط من حوله، فحاول فهم الطبيعة التي كانت بالنسبة إليه قوة مخيفة قادرة على آذيته بسبب ضعف التواصل والوعي والعلم مع ركائز تلك الطبيعة، فوضع معتقدات وفرضيات بحسب الأدوات المتوفرة لديه من أجل التطور والتقدم، وتعلقه بالجماعة ساهم بنشر تلك الأفكار، بالسيطرة عليها أو بمحاربتها أن كانت لديه القوة لذلك، وتلك كانت أساسيات صنع التاريخ والحضارات البشرية.
في الوقت الحاضر تطور الوعي وظهر مصطلح الوعي العلمي في العقل الإنساني فأصبح يبحث عن مداركه بمفهوم علمي يقرأ الطبيعة بطريقة يبتعد عن محاولاته السابقة للسيطرة عليها، كما شكل الوعي بالتقدم العلمي والتكنولوجي أهم منطلقاته ،  فالبحوث العلمية والدراسات الحالية تساهم في محو الأمية العلمية وتكشف أسرار الكون على أسس ومقياس ومنهاج علمي، وكيف تكونت الحضارات البشرية والدين والفن والفلسفة وغيرها من مظاهر التطور الإنساني عبر التاريخ، كما أن الوعي العلمي ساهم في زيادة الوعي العام للحرية وخلق مجتمعات تبنت التفكير العلمي عززت من الثقة بين أفراده بما تحمله من أفكار علمية أزالت الأوهام والخرافات وساهمت بتطور مدركات الإنسان والدفاع عن حقوقه وحرياته، فهذا الوعي أجاب عن أسئلة كانت في السابق من المحظورات أو بسبب الجهل في معرفة الإجابة عنها ولكن بوجود التجارب العلمية مع الوعي ساعد على الكشف عن ذاك الغطاء الذي كان يحاول الإنسان اخفائها بسبب الخوف منها وبسبب قوة الأوهام التي خلقها.
وفي الأخير فأن التدرج في الوعي الإنساني حتى الوصول إلى المدارك العلمية سيخلق حضارة وإنساناً جديداً يتبنى المصادر العلمية الموثوقة لبناء أساسيات معارفة.

نشر بجريدة الرؤية بتاريخ/ 16/ يناير/2013




الجمعة، 11 يناير 2013

الفن التشكيلي في المجتمع



الرسم من أقدم الفنون التي مثلت البشرية ونقلت رسالتها قبل استخدام الكتابة لتوثيق التاريخ، حيث ترك إنسان الكهف في العصر الحجري القديم رسوماته على جدران الكهوف أو على جلود الحيوانات التي يصطادها، فكانت تمثل أدواته في تلك الحقبة من التاريخ، فرسم الحيوانات والنباتات التي من حوله باستخدامه للفحم أو الدم أو بالنحت على صخور الكهف التي كان تتوافر أدواتها من الطبيعة، وكانت تلك الرسومات تمثل الواقع البسيط للإنسان العاقل كعلامات رمزية للأدوات التي كانت تتوافر لديه، وهي كانت بعيدة عن الفن بقدر ما كانت أسلوب كتابة، ولا يزال علماء التاريخ لا يعرفون الأسباب الرئيسية التي جعلت إنسان الكهف يضع تلك الرسوم في الصخور أو الكهوف والجلود أو ماذا كانت تمثل لهم تحديداً. كما زين قدماء المصريين (الفراعنة) في جدران معابدهم وقبورهم مشاهداتهم في الحياة اليومية، التي أظهرت مهارتهم في النقوش الزخرفية البديعة، وتطور الرسم بعد ذلك مع مرور التاريخ حتى الآن بحسب ثقافة المجتمع المختلفة، فكل ثقافة وجدت عبر التاريخ كان للرسم الدور في قراءتها ومعرفة طبيعة تلك الثقافة وأسلوبها التي تركها الإنسان في جذوع الأشجار والجلود والمعادن، ومن ثم في المعابد والقصور، حتى حل الورق محل تلك الأدوات في العصور الوسطى، الذي كان أول ظهور له في الحضارة الصينية ثم انتقل إلى أوربا، وبالتالي زاد من إنتاج الرسومات الورقية وازدهار الفن التشكيلي.
تطورت الحاجة إلى الرسم مع مرور التاريخ، فأصبح الرسم من الفنون المميزة التي يستطيع الإنسان التعبير به عن مجتمعه وذاته، وأنشأت مدارس للفن التشكيلي، الذي قسم إلى مراحل مختلفة تعني بقراءة تلك اللوحات ودراستها، على سبيل المثال (الباروكية، الروكوكو، الكلاسيكية، الرومانسية، الواقعية، ما قبل الرفائيلية، الانطباعية وما بعدها، الرمزية، الفن الحديث، التعبيرية، المستقبلية، السريالية، التكعيبية.. وغيرها) وكان لكل من هذه المدارس روادها المشهورون بلوحاتهم في مجالها.
للفن التشكيلي أهمية في حركة المجتمع وتطوره، فهو يكسر كل الحواجز في خيال وفكر الإنسان ويرسمها في اللوحات، ويزيد من التواصل بين الفنان والطبيعة والحراك في مجتمعه، وكما أنه يعد حالياً من أهم أنواع التعبير عن حرية الرأي بالرسوم التعبيرية أو الكاريكاتير، فهو قائم على الحرية في الرسم والتعبير، كما أن له مقدرة على نمو الدماغ لأنه يحفز القدرات الفكرية والتعبيرية وخاصة لدى الاطفال، فبحسب الدراسات فأن الاطفال الذين يمارسون الرسم يكتشفون الملاحظات والتفاصيل الدقيقة التي تقوي الذاكرة وتعزز مهارة الرسم والكتابة والمهارات اليدوية، كما أن الرسم يطور الخيال والذكريات التي تساعد في وضع المعنى والاتجاه للممارسات الحياتية المستقبلية، كما أنها تضيف للطفل متعة خلاقة يستفيد منها بالتعرف على الطبيعة من حوله عن طريق رسمها.
ولكن من الملاحظ أن الفن التشكيلي في مجتمعنا يعاني إهمالا، تظهر صورته في المتلقي الذي يهمل هذا الجانب الذي يعتبر فيه الفن التشكيلي نتاجا ثقافيا يساعد على تحفيز الوعي الجمالي لديه، كما أن المؤسسات التعليمة تساهم في هذا الاهمال والأمية والجهل بهذا الفن لعدم توفيرها مناهج اكاديمية مدروسة، فمادة التربية الفنية تعاني من قلة الأدوات والدراسات والمناهج التي يجب توظيفها لتدريسها للطالب، فهناك الكثير من المدارس أهملت حصة الرسم واعتبرتها من الحصص الغير مهمة وخاصة في صفوف (الأول وحتى العاشر) مع العلم أن تلك المراحل هي من أهم المراحل في نمو الدماغ وتعزيز قدراته الابتكارية والخيالية، وهي للأسف ضعيفة جدا مقارنة بأكاديميات الدول الغربية التي قطعت شوطا مميزاً في الاهتمام بتدريس الفن التشكيلي في المؤسسات التعليمية، كما أن مؤسساتنا تهمل الجانب التثقيفي لهذا الفن بسبب عدم توافر معارض أو متاحف أو أماكن تعني بتنمية هذه الثقافة للطلاب، كما أن مخرجات الدراسة من الجامعة تنظر للفن التشكيلي باعتباره تحصيل حاصل للدراسة بالجامعة ومن ثم التوظيف، فبعض مدرسي مادة التربية الفنية لا يتقنون تدريسها للطلبة بصورة صحيحة اكاديمياً، أو بصورة مقنعة لعدم وجود الاقتناع العلمي والعملي لديهم.
 
وهناك مشكلة اخرى أدت إلى غربة الفن التشكيلي في مجتمعنا، وهي أن المهارات الفنية للفرد لا تتابع وتهمل من جانب المؤسسات الحكومية، وكل من يرغب بدراسة هذا الفن يعاني من عدم توافر اكاديميات في المجتمع تعني بهذا الجانب، وعدم مقدرته على السفر إلى الخارج لعدم توافر السيولة المادية التي تخوله الاهتمام بتنمية هذا الجانب، وأغلب الفنانين في مجتمعنا هم من الفئة النخبوية الذين استطاعوا دراسة الفن بالخارج، ومع هذا فإن نتاجهم الفني منعزل عن الجماهير، بسبب وجود تلك الفجوة بين القيم التي درسوها في الخارج ومقدرتهم على إظهارها أو تفعيلها في المجتمع مع ما يتناسب المجتمع الذي هو فاقد لهذه الثقافة من الأساس.
الفن التشكيلي بحاجة إلى انتماء للمجتمع وتطوير أدواته وتوافر بحوث ودراسات اكاديمية تساهم في الرقي بهذا الجانب الثقافي وتفعيله بشكل صحيح وصحي، كما أنه يجب أن تتوافر للفن التشكيلي الحرية التي تخوله لتنمية المقدرات الفكرية، ويجب أن تبعد عنه النظرة السلبية والخروج من التبعية التي تنشرها جماعات التخلف والجهل والقمع التي تقيد وتجمد الحضارة والعلوم وإيقاع التطور بمقاييسهم الضيقة، فالفن التشكيلي هو تاريخ الإنسانية وهو صورة من صور مظاهر الحضارة والثقافة في المجتمع وليس مثلما تنشر بعض الجماعات القمعية أنه يتضمن الفساد والخراب للمجتمع.

الأربعاء، 2 يناير 2013

الحسد



تحدث الدكتور الكاتب مصطفى حجازي في كتابه "التخلف الاجتماعي، مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور" عن العلاقات الاضطهادية التي تغذي العدوانية عند الإنسان المقهور ضارباً الحسد كمثال عليها، تلك العدوانية حين تتراكم تسقط على الغير، الذي يتهم بأنه سبب المصيبة، حين يتم تحديد مصدر العلة وأسبابها، وقد ذكر الكاتب على أن الحسد من النكبات التي تلم بالإنسان أو بذويه أو ممتلكاته، وتصيبه بالضرر، فالمحسود هنا يشعر بالامتياز عن الآخرين ( لتفوق أو فضل أو جاه) وبالتالي يشعر بارتفاع مكانته، وبالتالي تسقط المهانة الذاتية على الحاسد، فالمحسود بحاجة للحاسد لشعور بالامتياز من جانب، وحتى يتهرب من عدوانيتة الداخلية بصبها عليها ( هو صاحب النيات العدوانية لا الحاسد )، ويمارسها بعد أن اتخذت شكلا مشروعاً في الحسد. إذاً، إسقاط للشر الذاتي والنوايا العدوانية على الحاسد، إنه إسقاط لرغبة الإنسان المحروم في امتلاك دور المحفوظ، الحسد هو إسقاط الرغبة الذاتية الدفينة في سلب الآخر ما يتمتع به من حظ، وبالطبع المحظوظ الأكبر هو المتسلط المستغل، فالحسد أساساً يقوم على عقدة النقص والخواء الداخلي ومشاعر المهانة المرتبطة بها ومحاولات التنكر لها.
وقد ذكر الكاتب مصطفى حجازي العين على أنها الأداة الأساسية للحسد ( ضربة بالعين، الإصابة بالعين) وما يقابلها من استباق شرها وعدوانيتها في كلمة (يخزي العين- عين الحسود فيها عود) أمام كل حظ أو جاه أو وفرة في الرزق والصحة والجمال، فالعين الشريرة تدمر ما تحسده كي تمتلكه، في حالة النظر التملكي ( الامتلاك من خلال النظرة الراغبة للحاسد) ومن هنا انطلق الاعتقاد بخطورة نظرة الحاسد وقوتها التدميرية الرهيبة، إذ تكفي نظرة واحدة ملؤها الرغبة في الامتلاك كي تحل المصيبة بالموضوع المحسود، فالعين لها دور اساسي في مجتمع القهر والحاجة، كما أن الإنسان المقهور لا يستطيع التمرد على حرمانه ولا التعبير عن حقده ورغبته إلا بالاكتفاء بالنظرة الحاسدة المشتهية والمتمنية، فالعين تتحول هنا إلى كيان مستقل لها قوى خارقة تتمنى إبادة وتدمير ما يشعرها بغبنها وحرمانها، ويتحول الإنسان إلى عيون تلاحظ وتتابع وآذان تتقصى ولسان ينال بالنميمة والشتيمة، مما حال بينه وبين السعي لنيل قسطه من الخيرات وبقية مظاهر الرخاء والرفاه، وقد حاول الانسان المحسود استخدام ادوات تقية،  لتخبره من الذي حسده ( مثال عليه الشبه التي تحرق في النار وتمثل الحاسد) كطقوس سحرية تبعد العين الساحرة، وهي منتشرة كثيراً في مجتمعاً، تلك نظرة ثقافة مجتمع الإنسان المقهور للحسد بحسب ما أرودها الدكتور مصطفى حجازي، وأود أن أضيف أن الحاسد بحسب الثقافة في المجتمع ربما تظهر معه مشاعر الشماتة لما حدث مع المحسود المتضرر، لذلك فأن عدم رضا الحاسد عن وضعه ربما تولد لديه الرغبة بإلحاق سوء الحظ لدى المحسود في ثمرة الشماتة، بسبب عدم وجود المساواة في المجتمع لدى الافراد، وبالتالي يظهر مصطلح الحسد في مثل هذه المجتمعات كرغبة بوضع قوى وهمية اسطورية قد تنزل الغضب وتأثر بتلك الاوضاع للأسواء.
اعتبر برتراند راسل ( الفيلسوف الناقد الاجتماعي) أن الحسد القوة الدافعة نحو الحركة الديمقراطية من أجل نظام اجتماعي عادل، كنظرة ايجابية انتشرت لتأثير ثقافة الحسد على المجتمع، مما أدى تدريجيا إلى تلاشي مفهوم الحسد في المجتمعات المدنية الحالية، فقد وضعت دراسات علمية لثقافة الحسد في المجتمعات التي تفسر مثل هذه الثقافة من نظرة علمية واجتماعية ونفسية، مثال عليها نظرية  Socioevolutionaryالتي تبناها داروين حول النشوء والتطور، فبحسب هذه النظرية فأن البشر عند الحسد يتصرفون بطريقة تعزز بقاء الفرد وكذلك استنساخ الجينات الخاصة بهم، كمفهوم للسلوك الاجتماعي لدى الافراد، ومتجذرة في المحركات البيولوجية من أجل البقاء والتناسل، كما أن الدراسات الحديثة أثبتت أن الحسد يغير في الواقع وظيفة الأدراك ويعزز الوظيفة العقلية والذاكرة كذلك، ذلك من حيث النوع الايجابي للحسد كقوة تحفيزية ايجابية، كما صنفه علماء النفس.
كما أن الحسد ذكر في الفلسفة على كونه نابع من وجود فراغ داخل النفس البشرية، ويكون فيها الحاسد أعمى عن إدراك ذلك الفراغ، فالحسد يؤدي غالبا إلى موجة عارمة من الغضب لدى البشر تؤثر من مقدرتهم على تحقيق السعادة الذاتية لهم، والعماء عن إدراك ذلك.
مما نلاحظه من فروقات في المجتمعات المدنية ومجتمعات الإنسان المقهور، أن مفهوم الحسد كنظرة خرافية قد تلاشى في المجتمعات المدنية التي اعتمدت على المنهج العلمي للأمور والتي تطبق فيها المساواة والديموقراطية بين أفراد مجتمعه، وما عاد هناك ذكر للحسد إلا من حيث العلاجات النفسية لتقلبات المشاعر لدى بعض الافراد، بعكس المجتمع المقهور الذي لا يزال تسيطر عليه خرافة العين الحاسدة كسبب للنكبات الصحية والجمالية والمادية التي قد تصيبه، وما عاد يدرك بالمسببات الواقعية، مما يجعله غير قادر على التعاطي الواعي للمدارك من حوله، فالمجتمعات المقهورة تخشى الصحة والجمال والجاه لعدم وجود ذلك التساوي بين افراده، وكعلاج لمثل هذه الحالات نحن بحاجة الوعي العلمي للأمور والتأثيرات الاجتماعية للفكر التي تؤثر على منطلقاتنا في الحياة وتساهم في تعزيز الثقة بين  جميع أفراد المجتمع، وتخلق التساوي التي هي أهم منطلقات المجتمعات المدنية.

نشرت بجريدة الرؤية في تاريخ 2/يناير/2013