أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الأربعاء، 5 ديسمبر 2012

الخوف قبر الإبداع



ترسخ التربية في أغلب المجتمعات ثقافة الخوف لدى الفرد في المجتمع، وتخضع كل أفعاله وتصرفاته وأفكاره في مختبر الخوف، الذي يحلل وينقي ويزيل اي آثر من الممكن أن يظهر لدي الفرد المتميز والمنفرد بالفكرة والفعل، فيخشى ذاك المجتمع الذي سيطرت فيه ثقافة الخوف- من الاساطير والاوهام والخرافات والعادات والتقاليد- من علامات الاختلاف المتميز والحديث لدى الافراد، فيحاول فرض وصايته بإرجاع ذلك الفرد إلى عقيدة الخوف، وكما نعلم أن عكس كلمة الخوف هي الأمان والاستقرار الذي يحتاجه كل مجتمع يرغب بالازدهار الفكري والحضاري، ولكن في حالة وجود ذلك الخوف فأن أية محاولة لمعالجة وكسر الخوف المنتشر في المجتمع تخضع لقوانين ثقافة الخوف، التي تمنع الحريات وتحد من التفكير والتطور الإنساني.
الخوف يضع التفكير في حالة جمود، حين تكون الخيارات المتاحة أمامه للإبداع محدده وخاضعة لشروط تحارب أي اختلاف عن القديم وتمنع التقدم في العلم، فهناك جماعات في المجتمع مهنتها حراسة الخوف ووضع أفكار وأفعال الافراد في غربال مقاييسهم الفكرية التي تمنع وتقتل أي فكرة تخالف رغبتهم وثقافة خوفهم وجمود فكرهم المتبع للعادات والتقاليد والاوهام، كما أن تلك الجماعات تفرض على الأفراد اتباع ثقافة الخوف والاقتداء بها عبر الأجيال، وبالتالي تتأثر لدى الفرد (الراغب بالإبداع واستحداث الفكر والفعل الإنساني والحضاري) الذات المبدعة والمنفتحة للأفكار مما يؤدي إلى جمود الإنتاج الفعلي والعملي للتطور والتجديد، ومن ثم يؤدي بالمجتمع إلى بناء جدار يمنع من استقبال اية فكرة حداثية تهدم ثقافة الخوف لديه.
غالبا ما يؤدي الخوف بالإنسان إلى منع الفكر من التفكير السليم والعقلاني والعلمي لمجريات الأمور من حوله، فيحبط لديه أية محاولة للاستنتاج والتحليل والاكتشاف وايجاد الحلول للمشاكل التي قد يتعرض لها، وبالتالي يصبح هذا الإنسان التي تساوره الشكوك والمخاوف عرضه للرهبة والقلق والخوف من اي فعل يرغب بالإقدام عليه، وكل ذلك صنيعة نفسه وذاته التي زرع فيها الخوف وجعل الخوف كقيد يتحكم بكل فكره أو عمل يقوم به في مشوار حياته، وكل ما يحتاج إليه كعلاج لذلك التفكير السلبي هو إزالة تلك الجذور من داخل فكره، وبناء فكر سليم وصحي وإيجابي بعيد عن التفكير غير المنطقي والسلبي لمجريات الأمور من حوله، فالرهبة والخوف تخضع الفكر البشري لطاقة سلبية فوق الاحتمال وقد تؤدي في أحيانا كثيرة إلى أفعال وتصرفات أشنع من الحالة التي تخضعه فيه ذلك الشعور بالخوف، والشعور بالخوف يمنع التدرج التفكيري للحلول، حين تكون أول خطوة محفوفة ومنتجة للمخاوف.
الفرد الذي تكون لديه عقدة الخوف تنتابه الكثير من الأمراض العضوية والنفسية التي سببها الرئيسي هو الخوف، فيتعرض جسده إلى مشاكل صحية عديدة تنتابه بسبب شعوره بالخوف من شيء ما ( فكره كانت أو فعل) ، وهناك الكثير من الأمراض في المجتمع الذي تزداد بسبب عقدة الخوف مثل امراض القلب وضغط الدم والامراض النفسية كالقلق والتوتر والكآبة والانطوائية وغيرها، وكل هذه الأمراض ترجع مسبباتها غالبا إلى أحساس وشعور المريض بالخوف وبالتالي تؤدي إلى تغيرات فسيولوجية بجسده تؤثر في طريقة تعامله مع ذاك الحدث، ولذلك فأن أفضل علاج لمثل هذه الحالات هي أن يخضع المريض في البدء إلى معرفة أسباب مخاوفه، ، فالخبراء النفسيون يرجعون على أن معظم هذه المخاوف ومصادر القلق هي من خيال الإنسان ومن بنات أفكاره أكثر مما هي واقعية، مبينين في الوقت نفسه أنه يجب عليه مواجهتها للتغلب عليها. 
وهناك جزئية مهمة في تأثير ثقافة الخوف لدى المجتمعات العربية إلى نظرتها للمرأة، فغالبا ما تخضع المرأة في هكذا مجتمعات متأثرة بثقافة الخوف إلى ضغوط نفسية تؤثر في استيعاب قدراتها ومداركها الإنسانية فتتأثر لديها القدرة في صناعة القرار، بسبب ترسيخ المفهوم المنتقص لدورها الإنساني، فيكون المجتمع في الغالب كالعدسة المكبرة لأفعال النساء خوفاً منها وليس عليها، فكل فعل أو فكرة تقوم بها المرأة يخضع بصورة سريعة للتقنين والتقزيم وزرع بذور الخوف منه، بسبب ترسيخ مفهوم العادات والتقاليد التي تحد من قدراتها وتمنعها، فغالباً تنشأ المرأة منذ صغرها على الخوف من جسدها وفكرها، فجسدها خطيئة وفكرها شيطاني بحسب المورثات والمعتقدات التي تأخذ من العادات والتقاليد المقدسة في المجتمع ، مما يؤدي إلى تفكيرها السلبي في ذاتها من أن تكون مصدر الشرور، والخوف من أية بوادر تخالف تلك المعتقدات، بالتالي تقمع اية محاولة لإزالة اثر الخوف من ذاتها، فالعادات والتقاليد تربي المرأة منذ الصغر على كونها كائناً ضعيفاً ويجب أن تلتجئ دائما إلى الرجل وتستمد منه الأمن والأمان والحماية من كل الافكار والافعال التي قد تواجها بالمجتمع، وأنها دائما مغلوب على أمرها وغير قادرة على صناعة القرار أو الدفاع عن نفسها، فتشعر بالخوف من فكرة مواجهة اي جديد أو مجهول تلقاه، ويزداد لديها الشعور الدائم لخضوعها الدائم للمراقبة وفضح عيوبها وتكبير أخطائها كالعدسة المكبرة لكل عين حولها، كما أن الشعور بالخوف يزداد لدى الأمهات في ظل عدم مقدرتهن على استيعاب وإدراك المتغيرات في الحياة الاجتماعية والتكنولوجية في المجتمع، ويتأثر الابناء بذلك حين يظهر الهلع والخوف الدائم على الامهات، فتكثر من التوجيهات والتحذيرات، مما يعوق نموهم وتتعطل مسيرة حياتهم وتجاربهم المختلفة مع الآخرين، وكل ذلك بسبب التنشئة التي تتربى عليها المرأة منذ الصغر على ثقافة الخوف ويتأثر بذلك كل ما ومن حولها.

نشرت بجريدة الرؤية تاريخ/ 5/ ديسمبر/2012

ليست هناك تعليقات: