أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

السبت، 10 نوفمبر 2012

عُسر القراءة


في كل عام دراسي، يتوالى الحديث لدى كادر الدراسة وأولياء الأمور عن أزمة صعوبات التعلم لدى طلبة المدارس، تتصاعد الشكاوى من تراجع المستوى التعليمي والدراسي في إتقان اللغة العربية تحديداً، وأغلب شكاوى أولياء الأمور منطلقة من المستوى الذي يجب أن يتعامل به المعلم مع الطلبة، بدون إيجاد منهج أو حلول تلامس جوهر المشكلة الذي سيؤثر كثيراً في مراحل القراءة لدى الأجيال القادمة بالمجمل.
مشكلة صعوبة التعلم كثيرة ومتشعبة الأبعاد، وهي ليست بسطحية وعابرة كم قد يظن البعض، وإنما تؤثر في مقدار تنمية الفرد لعادة قيمة ستستمر معه مدى الحياة وهي عادة القراءة، وحين نبحث عن أسباب المشكلة تظهر دائما مشكلة عسر القراءة، وحين نأتي إلى تعريف مصطلح عسر القراءة فهو اضطراب تعلمي كصعوبة في القراءة والهجاء، ويصيب جميع مستويات الذكاء ( المتوسط، فوق المتوسط، والعالي ). أسباب عسر القراءة مختلفة منها عيوب غير عصبية بالرؤية أو السمع، أو بسبب ضعف مستوى تعلم القراءة في المؤسسة التعليمية، وتتمثل أعراضه في مراحل السنوات الأولى من حياة الطفل كالتأخر في النطق والتأخر في تعلم الكلمات جديدة، ومن ثم في مرحلة الروضة تظهر الأعراض في صعوبة تعلم ونطق الحروف الأبجدية أو استرجاع لكلمة جديدة تعلمها الطفل خلال اليوم، وبعد ذلك تظهر الأعراض بشكل واضح في المراحل الدراسية المتقدمة كالخلط بين الكلمات ومعانيها، و صعوبة في نطق الكلمات وتهجئتها، وصعوبة في فك جملة وشرحها وقراءتها، وكذلك صعوبة في استيعاب المعاني والنحو، وكل هذه الأعراض تظهر خلال المراحل الدراسية للطالب الذي قد يكون معرض لمشكلة عسر القراءة.
 هناك الكثير من الدراسات والأبحاث التي وضعت من أجل حل هذه الإشكالية لمحاولة معرفة الأسباب وعلاجها، واتفقت على ضرورة تهيئة المقاعد الدراسية لعلاج عسر القراءة، ونحن بأمس حاجة لتلك الدراسات لمحاولة علاج عسر القراءة وصعوبتها لدى الطلبة، فالمشكلة بازدياد واضح لدى طلبة المراحل الأولى من المدارس، وتزداد عند عدم الوعي بخطورة المشكلة في المراحل الدراسية القادمة عند الطالب، فيقل المستوى ألتحصيلي (ألإدراكي والمعرفي) لديه.
من الواضح أن أهم مرحلة للتعليم هي مرحلة الطفولة، فالأطفال أكثر قدرة على تقبل المعارف الجديدة بصورة سهلة تترسخ معهم طول حياتهم، وأفضل طريقة وضعها الباحثون لتعلم مهارة القراء وعلاجاً لمشكلة عسر القراءة هي بالطريقة الصوتية، كحال الطفل المولود في السنة الأولى من حياته، يتعلم الكلام بالإنصات للأصوات من حوله، ويحاول تقليدها، فهذه الطريقة تساعد الطالب في المراحل الأولى وتحفزه على حب القراءة وتثير انتباهه، فقد أظهرت البحوث أن الأطفال يصبحون قراء ماهرين عندما يتضمن تدريسهم استخدام الطريقة الصوتية، ونحن بحاجة لوضع منهجية جديدة في الأسلوب الدراسي للمراحل الأولى من الدراسة تتضمن طريقة الصوت، كما تتضمن تدريبات وتطبيقات أعدت خصيصا على الطريقة الصوتية، كما تهيئ كادر دراسي جديد مؤهلين تأهيلا فعالا لتعليم الطلبة متعة القراءة وحبها، والتعلم بالصوت يعزز من الرغبة في التعلم والقراءة، فالصورة التقليدية الحالية لمؤلفات الكتب الدراسية ما عادت تستطيع علاج مشكلة عسر القراءة أو إتقانها، وإنما تساهم في عدم استيعابه للكثير من المصطلحات والمفردات بسبب مشكلة عسر القراءة لديه، كما أن الطريقة الصوتية تساعد على التقليل من عدد الكتب في الحقيبة المدرسية لاعتمادها على التعلم في الصف.

قد يساهم تخصيص مادة دراسية في المنهج، يومية، مصغرة وسهلة وبسيطة عن القراءة بالمجمل ( كيف تقرا كتاب، كتاب الأسبوع، أهم الإصدارات الأدبية والعلمية ) في حل مشكلة صعوبة القراءة لطلبة المراحل المتقدمة في الدراسة، فهذه المنهجية تساعد الطالب على حب المطالعة والقراءة، فالطالب بحاجة إلى تبسيط اللغة والقراءة بصورة غير إلزامية في النحويات، وإنما تضاف مادة تخصصية في النحويات للصفوف الدراسية / الحادي عشر والثاني عشر، وكملاحظة يجب أن تأخذ في عين الاعتبار فأن وعي معلم اللغة العربية على أهمية دوره في إيصال المعرفة والمعلومات والتعريفات بصورة مبتكرة ومتجددة، عن طريق تفعيل المدارك اللغوية بصورة أمثلة وقصص من الواقع والكتب المختلفة تجذب الطالب لحب القراءة، فهي من أهم المنطلقات التي تجعل الطالب مقبل على المادة بصورة ايجابية وملموسة، بالإضافة إلى تفعيل نشاط جماعة القراءة في المدرسة بالمطالعة والبحث عن الكتب (الروائية والأشعار: المحلية أو العربية والعالمية ) لمناقشة الأفكار والمعارف التي اكتسبها الطالب من تلك القراءات، وأراء النقاد حولها، هذه الأنشطة تساعد الطالب على زيادة مداركه الفكرية وتعزز لديه حب الإطلاع والبحث بدون التلقين والحشو الذي يجبر عليه ليس من أجل زيادة المستوى ألتحصيلي فحسب وإنما من أجل زيادة المستوى المعرفي والإدراكي لديه.
وفي الأخير، فأن أهمية القراءة تنبع في مدى أدراك الفرد والمجتمعات لأهمية حب اكتشاف الذات والرغبة بالمعرفة، التي توصل إلى أن التطور الحضاري والفكري يمتد من القراءات التاريخية والأيدلوجية لمن سبقونا حتى وصولها إلينا الآن، كتجارب وبحوث أضافت الكثير في أدواتنا الفكرية، وتلك المعرفة ليست بالضرورة أن تكون منهجا لحياتنا ولكنها تجعلنا نسطر الحاضر المختلف والمتجدد بإتقان ضروري من أجل التطور الفكري والحضاري لأجلنا ولأجل من سيأتي بعدنا في المستقبل، وأي مجتمع متطور ومنفتح للعلم وجميع الثقافات هو المجتمع الذي يكون أفراده قراء، ولا يتم ذلك إلا عن طريق تهيئة المؤسسات التعليمية لدينا لضرورة استيعاب جميع المستويات ألإدراكية لجميع الطلبة، لخلق جيل قادر على القراءة ومحب لها.

 نشر بجريدة الرؤية بتاريخ 17/ أكتوبر/ 2012

ليست هناك تعليقات: