أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

السبت، 10 نوفمبر 2012

حملة توعية بالأمراض الوراثية


المرض الوراثي هو حالة مرضية ناتجة عن خلل أو اضطراب في جين واحد أو أكثر، يمكن لبعض هذه الأمراض الانتقال من جيل إلى آخر ولكن غالبا ما تصيب الفرد أثناء الحياة الجنينية، وفي ظل هذا التعريف فأن المرض الوراثي ينتقل عبر الجينات أو المورثات من الأبوين إلى الأبناء، ونادرا ما يكون هناك علاجات فعالة للمرض الوراثي، والسبب في ذلك الجين المصاب المتوارث الذي سيؤثر على الأجيال القادمة في الولادات، وبحسب الإحصائية المتوافرة من وزارة الصحة فإن 6 % من العمانيين يحملون جين أو مورث مرض الخلية المنجلية و 2 % مرض الثلاسيميا وأكثر من 20 % مرض نقص الخميرة الفولي، بالإضافة إلى أمراض الجهاز العصبي الوراثية مثل التخلف العقلي والضمور العضلي واختلال الهرومونات في الجهاز العصبي وغيرها، التي تكشف أن المرض الوراثي في ازدياد بصورة خطيرة وواضحة.
 إن جميع الأمراض الوراثية تخلق عذاب مستمر للأطفال المصابين بها، وتؤثر سلبا على الأسرة التي يجب أن تركز عنايتها للطفل المصاب، وتكون تلك الأسرة أبعد ما تكون عن الراحة في ظل طفل يعاني طوال حياته من ذلك المرض، كما أن الوفيات التي تحدث في أقسام الأطفال بالمستشفيات غالبا ما تكون بسبب الأمراض الوراثية،  والجدير بالذكر أن أحد أنماط الأمراض الوراثية سببها زواج الأقارب، فزواج الأقارب يزيد فرصة إصابة الأبناء ببعض الأمراض الوراثية إلى ستة وعشرين ضعفاً أو أكثر، وهناك أمراض وراثية تشيع في عائلات بعينها، ويؤدي الزواج بين أفرادها إلى نقل هذه الأمراض الوراثية إلى الأجيال القادمة، وكلما بعدت درجة القرابة بين الزوجين قل احتمال انتقال المرض إلى أطفالهم. وكلنا نعلم أن زواج الأقارب شائع بدرجة كبيرة في العالم العربي.
لذا نحن بحاجة إلى حملة مستمرة ودائمة للتوعية، وكذلك لمتابعة الأمراض الوراثية في السلطنة بأشراف من وزارة الصحة، فالوقاية دائما خير من العلاج، فعند الوعي بمسببات المرض الوراثي نقلل من نسبة وجود تلك الأمراض، والتطور في مجالات الطب يكشف المرض الوراثي عن طريق عمل التحاليل اللازمة لكل فرد في العائلة، ففي الوقت الحالي توافرت أدوات تكنولوجية متطورة في المختبرات لفحص الجسم البشري، وكل ما نحتاجه هو رفع ثقافة الأطباء الممارسين للمهنة وتوعية الأفراد المنتفعين بالرعاية الطبية، فمن حق المواطن أن تتكفل الدولة لإيجاد حلول لأي مشكلة قد تؤدي إلى ازدياد أعداد المواليد المعرضين للأمراض الوراثية، فالتقنية الطبية المتطورة حاليا تكشف الطفرات الوراثية بطرق بسيطة عن طريق الدم أو البروتين في جسم الإنسان، كما أن من المهم أن نجري فحوصات للأفراد عند البلوغ، وليس فقط عند رغبتهم بالفحص قبل الزواج، وعمل التحاليل خلال الحمل يساعد على تهيئة الأسرة وكذلك الطاقم الطبي للمولود القادم أن كان مصابا، مما قد يقلل من حجم الانتكاسات التي سيتعرض لها مستقبلا.
ترفض كثير من الأسر عمل تحاليل للجنين أثناء الحمل، لأسباب قلة الوعي بخطورة الوضع المقبلين عليه، ولذا نحن بحاجة إلى لجنة لدعم الأسرة في كل مستشفى تعني بتثقيف كل عائلة مقبلة على الإنجاب، بحضور الأم والأب ولا يتركز فقط بحضور الأم، كموعد يخصص لهما لحضوره، ويفضل أن يكون الطبيب المشرف على هذه اللجنة قادر على إيصال المعلومات إلى العائلة باللغة العربية وبمقدرته على تثقيف الأسرة عن الأمراض الوراثية بصورة سهلة وواضحة، فللأسف لا تزال هناك أسر لا تعي حجم المشكلة التي يتعرض لهم أطفالهم بإنجابهم المزيد من الأطفال المعرضين لذات المرض، وليس لديهم أي إدراك بكون أن ذلك الطفل المصاب بالمرض الوراثي سيورثه لأطفاله بالمستقبل مما قد يؤدي إلى خلق عاهات وراثية من الصعب علاجها ومن المؤلم وجودها، فمن المؤلم رؤية طفل غير قادر على التمتع بالحياة بصورة صحية، ومن الموجع تكرار تلك الرؤية في العائلة.
بالإضافة إلى الحاجة إلى عيادة مختصة بالأمراض الوراثية في كل مستشفى، وعمل سجلات متابعة لكل أسرة أصيبوا بأمراض وراثية لسرعة تشخيص المرض أن أصيب به احد أفراد الأسرة مستقبلا، كما يجب أن تتوافر في العيادة مختبرات تعني بالكشف عن الأمراض الوراثية مبكرا، وتوافر كادر فني مدرب للتركيز على هذا النشاط في العيادة.
بالإضافة إلى ذلك هناك حاجة إلى التركيز على توعية الطلاب بالأمراض الوراثية، عن طريق تدريس مادة مخصصة بالأمراض الوراثية في السنوات الأخيرة من المدرسة ضمن منهج العلوم بالاستعانة بأطباء لشرح الأمراض الوراثية.
في استطاعتنا أن نقلل من قلة وعينا بالأمراض الوراثية بزيادة حملات التوعية عنه مع الشرح العلمي المبسط لخطورته، إن المعتقدات التي قد تؤثر في فكر بعض الأسر بالرضا بالقسمة والنصيب بالولادات قد يتناسون أنهم أحد أسباب تلك الأمراض، كما أن من حق الطفل عليهم أن يكون صحيحا معافى. ففقدان طفل بسبب مرض وراثي موقف يصعب تخيله، ولكن تكرره يعتبر إهمالا وعدم اهتمام بإنسانية ذلك الطفل، فالطفل المصاب يتعرض لأوجاع نفسية وجسدية تفوق مقدرته على التحمل.

نشر بجريدة الرؤية بتاريخ 19/ سبتمبر/ 2012



ليست هناك تعليقات: