أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

السبت، 10 نوفمبر 2012

المرأة والحداثة في المجتمع


الحداثة بمفهومها الشامل عبارة عن عناصر وعلاقات وأنشطة تكون المجتمع المتطور، باستخدام العقل والعلم والتقنية، لإطلاق حرية الفكر وحرية التعبير والتنظيم بلا قيود لأجل تنمية جميع المجالات، وتطالب بإصلاحات اجتماعية كذلك، واستحداث طرق مختلفة ومغايرة ومتجددة عن المفاهيم السابقة والتقليدية التي ما عادت تستطيع أن تدير الثورة الفكرية والفلسفية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية والسلوكية التي تمر بها المجتمعات في الحاضر.
فالحداثة تعتمد على العقل لإنتاج مبادئ وثقافات لمصلحة الفرد وحريته، وبحسب تعريف الحرية بالنسبة للحداثة في كتاب " فلسفة الحداثة " لـ فتحي التركي ورشيدة التركي: تعطي الحق للفرد بأن لا يخضع في المجتمع إلا للقوانين العامة التي تنظم الحياة وتضمن المصلحة العامة، ويعني ذلك أن على المجتمع أن يضمن كرامة الإنسان، فلا يجوز اعتقاله أو سجنه أو تعذيبه أو قتله بإرادة اعتباطية لأي فرد"، وعلى ضوء هذا التعريف فأن الحداثة تسعى إلى إجراء تغيرات عميقة في مختلف المجالات لغاية الإنسان وتمسكه بالحرية والمعرفة العلمية، استجابة لمعطيات التطور في جميع المجالات، وقد ذكر الكاتب حسين العودات في كتابة " النهضة والحداثة " على أن الحداثة تقوم على عدة أسس( أولها احترام الفردية، بمعنى إعطاء الفرد باعتباره كياناً مستقلاً له حقوقه السياسية في ظل نظام ديمقراطي يؤمن بالتعددية السياسية والحزبية والحقوق الاقتصادية التي تتمثل في حق الفرد في التنقل والعمل بغير إجبار، والحقوق الاجتماعية والثقافية، والتي تتمثل في الخدمات التي توفرها الدولة للمواطنين، ومن أسس الحداثة كذلك الاعتماد على العلم والتكنولوجيا لإشباع الحاجات المادية لملايين السكان).
وعلى ضوء هذا المدخل الذي ابتدأته في هذا المقال، نأتي إلى حقوق المرأة في المجتمع وأبعاد الحداثة المترتبة عليها، خاصة في ظل احتفالية المجتمع بيوم المرأة العماني الأسبوع المنصرم، وأثر تلك الإحداثيات التي مرت على وضعية المرأة في المجتمع وتأثير المورث الاجتماعي المقدس عن إحداث التغيير وتقبل المجتمع لآلية التنفيذ، فالمرأة في المجتمع لا تزال تواجه تحديات تمنعها من صناعة مستقبلها وتدرك مكانتها وقدراتها ودورها في صناعة الحداثة، فالحداثة تعطي وتبرز قيمة الفرد في التفاعلات والتطورات التي تحدث في المجتمع، وتبرز قيم المساواة والحقوق بين جميع الأفراد، وحين نأتي للحدث فأن إشهار الفريق النسائي للدراجات الهوائية في سمائل الذي تم في يوم المرأة العمانية تحديداً ومن ثم التراجع السريع عنه في اليوم التالي، يحط من قيمة المرأة في المجتمع وينفي المساواة بين جميع أفراده، فقد انتشرت محاورات ورسائل بين بعض الأفراد تنتقص من دور المرأة وتصورها كائنا غير إنساني وناقص معرفيا وحقوقيا وإدراكياً أو أي شكل من أشكال النقص لثقافة الاحتقار الفكري للمرأة بين فئات معينة في المجتمع، والمدهش حتى من قبل نساء المجتمع نفسه، فالمرأة نفسها تحارب الحداثة وترسخ لديها ثقافة الدونية وتحقير المرأة وتروض فكرها على التبعية والصورة السلبية التي ينقلها المجتمع لها، وذلك يدل على أن الحداثة مقتصرة ومحددة في جوانب يحددها ويصورها بعض الأفراد بصورة محددة وليست متساوية للكل، فالتجارب الحداثية التي تحاول أن يكون لها وقع متفرد وخاص، محاربة حين توضع في منظومة العادات والتقاليد، فسلطة العادات والتقاليد تهيمن على العقل والفعل والرغبة باستحداث الجديد والحديث من أجل الحرية و المصلحة الفردية وتنسف العقل والعقلانية والعلمية، حيث يكون مبدأها غيبيا ومقتصرا باعتقادات سابقة تؤثر على الحركة الحداثية في المجتمع بالمجمل، فمسألة دور المرأة الحداثي وحريتها مسألة سهلة على مستوى الخطاب والكلام، ولكن المرأة تعاني كثيراً حين يتعلق بالمرور على التراث التقليدي والاجتماعي الذي يكرر نفسه عبر الأجيال والقرون، من أجل البناء الواضح والشفاف والصريح للعمل المتساوي بين الجميع في المجتمع.
دور المرأة في الحداثة ومعرفة حرياتها ليست فعلا تلقائي أو أوامر، وإنما يجب أن يتم عبر وعي ذاتي منبثق من النساء يعكس الإدراك المعني الذي تؤمن فيه المرأة بضرورة تفعيل دورها في المجتمع ومساواتها بالحقوق والواجبات والحريات، وضرورة وعي المراة بالجانب الحقوقي والقانوني والثقافي من ضمن أهم وأعمق أشكال الوعي فهو المحفز لقدراتها والمطمئن لخطواتها، وهو شرط أساسي لمجتمع يريد أن يتطور ويواكب عصره عندما يكون للمرأة فيه دور حداثي وفعلي يساهم في بناءه.
أسهم التراث والعادات والتقاليد في عرقلة دخول الحداثة ومنعها من أن تؤدي دورها، وهمشها وعزلها، خاصة من حيث دور المرأة في المجتمع، وأقنعت الجميع في عدة مناسبات بأن الحداثة معادية لهم ولثقافتهم ودينهم وحضارتهم، مما أدى إلى أنغلق المجتمع عن التعاطي مع مستحدثات العالم ومنع أي أبداع وحرية هدفها تطور المجتمع بصفه عامة والفرد بصفة خاصة، وكل ذلك أسبابه دور بعض الجماعات في عرقلة ووضع عوائق لمنع انتقاد والتدقيق أو مناقشة التراث من الناحية الإنسانية والحضارية، مما أدى إلى ازدواجية السلوك حين ينفرد بعض الجماعات في تهميش دور أفراد معنيون كالمرأة، ودائما ما يضعون عقبة العادات والتقاليد في طريق حرمانها من حقوقها الأساسية، فالرقيب الذي يمارس دور فرض الوصاية يتحكم في مقدار تلقي المعلومات والحقائق والمقدرات والحقوق والحريات لكل فرد في المجتمع.

نشر بجريدة الرؤية بتاريخ 24/ أكتوبر /2012

ليست هناك تعليقات: