أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الثلاثاء، 2 يوليو 2013

ثلاثية القمع.. الهيمنة والتسلط والوصاية

تميزت المشاهد التاريخية بكثرة ظهور الجماعات التي لها القدرة التأثيرية التسلطية على الافراد، لأنها تقوم على اساس الاعتراف من قبل الافراد بأحقية وحرية تلك الجماعات في التأثير عليهم وعلى قدرتهم وحريتهم، كنوع من الطاعة الواجب الإذعان والامتثال لها، متمثلة بأحقية تلك الجماعة ليس فقط في إصدار الأوامر وإنما في التحكم بمشاعر وميول ورغبات وعادات أفراد المجتمع، كما أنها تنسف إرادة الانسان الحرة وقدراته عن طريق القوة المكانية التي صُرح لها من قبل الجميع بالسيطرة الشرعية على عقول جميع الأفراد وبالتالي الانقياد لها، وكل ذلك يرجع إلى الرغبة بالانتماء للاقوى، تلك هي الفكرة التي تسيطر على الفرد حتى وإن كانت تعني عدم التفكير أو تعطيل إرادته في البحث عن البراهين والأدلة التي قد تنتقد تلك السلطة وتزعزع مصداقيتها، فالفرد في مثل هذه البيئة تترسخ لديه فكرة عدم جدوى التفكير الجدي بالخروج من سيطرة هذه الجماعات والتي تحولت مع مرور الزمن على شكل تشكيلات فكرية غير قابلة لنقاش ومورثات وعادات عقائدية جامدة من الصعب تغييرها، وبالتالي ينجر الأغلبية إلى الخضوع إلى تلك الجماعة لكون الإنسان ذا ميول اجتماعية بطبعه.

وإن كانت تلك السلطة قائمة في البدء على أساس الرضا والاقتناع من أجل صيانة مصلحة الجميع ولكنها أخذت منحنى آخر بالإرغام والأكرة والاستعباد من خلال حمل الفرد على التنفيذ الأوامر والتقيد بالتوجيهات، وبالتالي تصبح تلك السلطة في وضع الهيمنة والتسلط وتسقط المصلحة العامة لتصبح تسيد وقمع الأفراد من أجل مصلحة تلك الجماعة التي قد تخفي أهدافها ومصالحة الشخصية لأجل السيطرة على أولئك الأفراد.

الهيمنة وهي سيادة وسيطرة اطار معين وأفكار محددة على أسلوب وحياة جميع الافراد من قبل قوة جماعية تدعو إلى نشر المبادى التي تتبناها، تلك الهيمنة تؤثر على الثقافة فبالرغم من اتساع أفاق الثقافة العلمية والمعرفية في شتى المجالات حول العالم نجد أن تلك الهيمنة تفرض سيطرتها على ثقافة المجتمع فتحيله إلى قطعة صخرية لا تتغير، فهي تدعو إلى ثقافة موغلة في الماضي متمسكة بسطحية الاحداث ومنغلقة بجمود حول ثقافتها، تمنع الجميع من أن يقترب من تلك المبادئ التي خول لها وضع بنود شرعية سلطوية من ضمنها عدم النقد أو المساس بمضمونها أو بأسيادها، وكل هذا يرجع إلى كون أن تلك الهيمنة تحارب أية أفكار تزعزع كيان ما زرعته خلال سنوات طويلة في أذهان وعقلية أفرادها، فتتهم كل من يحاول كشف تلك الهيمنة " بالنقد أو الطرح والحوار" بالتخريب أو التكفير، وذلك يتضح جلياً فيما يحدث الآن في بعض المجتمعات العربية من محاولة ترسيخ تلك الهيمنة بالقوة والتسلط والسيطرة التي أدت إلى نشوء صراعات حادة بين الأفراد مشحونة بالعداء والتشنج فتنتشر جرائم القتل والارهاب.

ثقافة التسلط تضع المجتمع في قالب معين فهي تحدد وتتحكم بكل جزئية فيه وصولا إلى الاحلام والافكار، عن طريق تحديد الثقافة التي يجب أن تنشر بالمجتمع، كما أنها تخضع الثقافة الفكرية والمعرفية إلى مقياس الفتاوي الذي يحدد قابليته للنشر أو عدمه حسب الشرع، كما أنها تخضع أية ثقافة في المجتمع لتلك الهيمنة وإلا اعتبرت معادية وخائنة ووجب أقتلاعها، فبعد ثقافة الهيمنة التي شرع لها المجتمع الاحقية تأتي الوصاية الجماعية التي تجهض أية حركة لنهضة فكرية مختلفة عن أسس تلك الهيمنة، والوصاية تبدأ دائما من الأسرة التي هي عبارة عن المجتمع الصغير بداخل المجتمع، وهي الصورة الاساسية لشكل المجتمع، فحين تتبع الأسرة أسلوب الوصاية والتسلط والرفض الدائم لتحقيق رغبات أبنائها واتخاذ أسلوب السيطرة على الابناء في كل شؤون حياتهم، في تعيين الاصدقاء الواجب التعرف عليهم، وتحديد نوعية وشكل الملابس ولونها، ومنعهم من الحوار، وزعزعة الثقة بأنفسهم، واجبارهم على ممارسة العادات التي توارثوها من السابقين، بالاضافة إلى تحديد نوع المعارف والقراءات والثقافات الواجب التعرف عليها، كل هذا يؤدي إلى تكوين طفل ضعيف الشخصية سلبياً دائما، متردد وغير واثق من نفسه، وأي محاولة لتحرره من تلك القيود سيستخدم الاباء أسلوب الوصاية والتسلط المتمثلة في القسوة بالضرب والتعدي الجسدي على الابناء، مما يؤدي إلى كسر أية محاولة اصلاح في شخصية الأبناء وأفكارهم، فإذا كانت مثل هذه الأسر هي الصورة الأساسية لشكل المجتمع فمن الطبيعي أن تنتشر تلك الجماعات التي تفرض الوصاية والتسلط والهيمنة على بقية افراد المجتمع.

أذكر على سبيل المثال حول ثقافة التسلط والسيطرة ما صورته مشاهد واحداث فيلم The Village الذي صور تأثير تلك الهيمنة الاجتماعية على أسلوب حياة أفراد أنعزلوا عن العالم في قرية، خوفاً من جرائم القتل والسرقة التي تحدث في المجتمعات، وبالرغم من ذلك الانعزال الذي حاول فيه أصحاب الفكرة عزل بقية الافراد واخفاء آي اثر للعالم الخارجي عن طريق نشر مخاوف بوجود وحوش قد تقضي على الافراد في حالة محاولة أحد الابناء الهروب من القرية، ولكن تتحول أمنياتهم إلى التلاشيء مع ظهور جريمة قتل بالقرية، وبالتالي محاولة العزل التي ابتدأت كإنعزال وانغلاق متفق عليه بالتراضي بين اصدقاء اصبحت عزل اجباري بزيادة عدد أفراد القرية نتيجة التوالد وبالتالي ظهور الاختلافات الفكرية التي مهما حاول الانعزال ثنيها عن التوسع والظهور ولكن لا سبيل لقمعها سوى باستمرار ممارسة الكذب والتهديد والتخويف وذلك ما حدث في نهاية أحداث الفيلم.

وهم الاستيلاء على قدرة الانسان الفكرية وحرية الارادة لا تنتهي إلا عن طريق الوعي، ولكن التعصب لأجل ثقافة السيطرة والتسلط والجمود يزيد من سيادة منطق العنف والقوة واخفاء الابعاد الخفية لمثل هذه الثقافة.

نشرت في جريدة الرؤية بتاريخ 1/يوليو/2013م

ليست هناك تعليقات: