أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الأربعاء، 17 يوليو 2013

الهيمنة الذكورية


 
"من المحتم أن نعتبر المجتمع مثل مكان للتآمر، يبتلع الأخ الذي يملك الكثير منا مبررات احترامه في الحياة الخاصة، ويفرض مكانه ذكراً متوحشاً ذا صوت يزمجر وقبضة قاسية، والذي يرسم بالطبشور إشارات على الأرض بطريقة صبيانية لخطوط الفصل الصوفية تلك التي تثبت بينها الكائنات البشرية بطريقة جامدة ومنفصلة واصطناعية. في تلك الأمكنة يستمر الذكر في طقوسه الصوفية، وقد تحلى بالذهب والأرجوان وتزين بالريش مثل المتوحش، متمتعاً بالملذات المشبوهة للسلطة والهيمنة، فيما نحن نساؤه يغلق علينا في منزل العائلة، من دون أن يكون مسموحاً لنا المشاركة في أي من المجتمعات العديدة التي يتشكل منها مجتمعه". هذا المقطع لفرجينيا وولف تتحدث فيه عن السلطة التنويمية للهيمنة أضافها الكاتب بيار بروديو، في كاتبه الهيمنة الذكورية، حاول فيها الكاتب التحليل الموضوعي لمجتمع منظم بحسب المركزية الذكورية قوة سيطرة الهيمنة الذكورية، ( القبلية والتقاليد) في مجتمع الأسرة و(المدرسة أو الدولة) في الوضع السياسي والحكومي، فتلك الجزئية التي أضافها الكاتب عن الكاتبة فرجينيا وولف صورت المشهد بصورة واضحة جداً عن وضع المرأة في المجتمعات التي تتسيدها الهيمنة الذكورية، فالرجل فيها لديه امتيازات محرم على المرأة الحصول عليها، فهو قادر على الانطلاق في العالم بخطى ثابته وواثقة ولكن بعد أن يقمع المرأة ويحبسها في مجتمعها الصغير المتمثل في منزل والأسرة، وكل ذلك سببه الهيمنة الاجتماعية التي تفرض وجود الهيمنة الذكورية في المجتمع كصورة للمجتمعات التي تفصل الإنسان إلى كيان مذكر له حقوق وحرية وكيان مؤنث له واجبات ومقموع.
ثم يطرح الكاتب "بيار بروديو" الأنشطة الملاحظة في ظل الهيمنة الذكورية في الممارسات الحياتية (إن الاستعمالات العامة والنشطة للجزء العلوي والذكوري للجسد- جابه، واجه، قابل، نظر في الوجه والعيون، تكلم أمام الملأ- هي حكر على الرجال، أما المرأة في القبائل التي تتنحى عن الأماكن العامة، فإنه يتوجب عليها بمعنى ما أن تتخلى عن أن تأتي استعمالاً عمومياً لنظرها "إنها تمشي بين العامة وعيونها مغموضة إلى قدميها" ولكلامها "فالكلمة الوحيدة التي تناسبها هي "لا أعرف" وهي نقيضة للكلام الرجولي الذي هو تأكيد حاسم وقاطع، وفي الوقت ذاته متفكر وموزون) وأضيف إلى ذلك إلى أن الخنوع الذي تختزله المرأة في ذاتها بسبب النظرة التحليلية والنفسية والبيولوجية والتاريخية سبب لنسف أية محاولة للتفرد ككيان قادر على التميز وكل ذلك مرده إلى البنية الثقافية التي تمارسها الهيمنة الذكورية التي قسمتها بالتسلط كتعبير عن القوة الذكورية مع المرأة، وتصبح العقول معطوبة حين يكون الشرف في الأعضاء الجسدية لدى الذكر والأنثى، التي كونتها الاختلافات الاجتماعية لدى هذه المجتمعات ذات الهيمنة الذكورية.
من الملاحظ كذلك لدى المجتمعات ذات الهيمنة الذكورية أن هناك ضغوطا تمارس على الأسرة التي يكون معيلها المعنوي والمادي امرأة، فهي تخضع من قبل المجتمع إلى التشكيك بفضائلها وأخلاقياتها، فيصبح كل عمل تقوم به تلك الأسرة في موضع المجهر الذكوري، الذي لا يعترف بقدرات المرأة على تنشئة أسرة لوحدها، فهذه الهيمنة الذكورية تخضع الجسد وليس الفكر للمساءلة، وللأسف فأن كثيرا من النساء تفرض على نفسها تلك الهيمنة، على سبيل المثال في الملابس، فهي تفرض على جميع النساء في المجتمع الالتزام بزي معين تجبر الحركة على التثاقل والمشي ببطء تعزيزا لفكرة ضعف بنيتها، بالإضافة إلى ذلك فإن المرأة تهيمن على ذاتها ثقافة الهيمنة الذكورية عن طريق البحث عن رجل يعزز بداخلها هذه الثقافة كعادة توارثتها من البيئة التي تربت فيها كنوع من الخضوع الإرادي ومتعمد لأثر تلك الثقافة، كما أن النساء بسبب السلطة الرمزية التي تمارسها الهيمنة الذكورية بدواخلهن يخترن تبني ممارسات إقصاء أنفسهن عن الساحة العامة خوفاً من التجربة المرعبة للاقتراب من الفضاء الذكوري، نتيجة للآثار السلبية الثابتة التي مارسها النظام الذكوري على جسدها (إن العنف الجسدي لا يتحقق إلا من خلال فعل معرفة وجهل عملي يمارس من جانب الوعي والإرادة، ويمنح "سلطته المنومة" إلى كل تظاهراته وإيعازاته وإيحاءاته وإغراءاته وتهديداته ومآخذه وأوامر دعوته الانضباط، لكن علاقة هيمنة، التي لا تعمل إلا من خلال تواطؤ الاستعدادات، تتبع بعمق، لأجل تأبيدها أو تحويلها، بتأبيد أو تحول البنى، والتي كانت تلك الاستعدادات نتاجاً لها، وبشكل خاص لبنية سوق المتاع الرمزي والذي يقضي قانونه الجوهري أن يعامل النساء كأشياء تتداول من أسفل إلى فوق" (بيار بورديو) فالنساء بالنسبة لـ "بورديو" شريكات في إنتاج الهيمنة الذكورية و المحافظة عليها و كذا إعادة إنتاجها. فهن يستدمجن بطريقة غير واعية و من خلال التنشئة الاجتماعية هذه الهيمنة.
وبالرغم من أن الهيمنة الذكورية لم تعد تفرض نفسها كما في السابق بسبب حجم الحركة النسوية التي تحاول الخروج من تلك الهيمنة وتسلط الضوء إلى إرادة المرأة الحرة في المجتمع - خاصة في ظل الحركة الإعلامية التي تبرز جميع الشرائح المجتمعية في العالم- ولكن تبرز تحركات تدعو إلى فرض الهيمنة الذكورية من جديد وبالقوة، رغبة بالعودة إلى الوراء، تلك الرغبة تنطلق من رؤى لجماعة لا يستطيعوا التكيف مع الحداثة ومع المستقبل، ومع أن رؤى تلك الجماعة التي تدعي رغبتها للعودة إلى عصور تاريخية سابقة ولكن جميع مبادئهم تخضع لقوانينهم المستحدثة وفق انغلاق أدمغتهم، فهم يخضعون المجتمع لمعايرهم في نموذج المرأة الخاضعة لهم، فتؤدي إلى صراعات اجتماعية تبرز صورة الهيمنة الذكورية.

للحيلولة دون تسلط الهيمنة الذكورية على أوضاع المرأة والمجتمع، نحن بحاجة إلى حركة ثقافية قادرة وبقوة على تفكيك التعصبات القبلية التي تؤثر في وضع المرأة الفكري, تلك الهيمنة الذكورية التي تتسيد التعصبات والصراعات الاجتماعية وتتحكم بوضع المرأة في المجتمع وتقصيها عن دورها الفعلي، فنبرة التهديد والوعيد لفرض القمع والهيمنة لن تجدي نفعاً في ظل الإدراك والوعي، وما نحن بحاجة إليه هو أن تنزع المرأة وهم الهيمنة التي يفرضها عليها المجتمع.

نشرت بجريدة الرؤية بتاريخ 8/يوليو/2013م

ليست هناك تعليقات: