أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الأربعاء، 17 يوليو 2013

الأسرة والحاجة إلى جيل جديد

الأسرة والحاجة إلى جيل جديد

يحاول كل جيل جديد أن يجد خطا يتبعه في ضوء المتغيرات المتواصلة والمتسارعة في الحياة، وهم عرضة للكثير من الضغوط السلطوية، منبعها الجيل السابق الذي يظن أن لديه خبرة أكثر منه في الحياة، فتأخذ تلك الخبرة طابع السلطة التربوية ذات المنظومة التوجيهية لسلوك الجيل الجديد في الحياة، فتؤثر تلك السلطة التي مفادها الخبرة على وعي الفرد القادم، وفي منظومة عقلة الباطن، فيتوارث من الجيل القديم طقوسه وأنماط سلوكه ومقدساته وأساطيره، وبالتالي تؤثر على نظرته الواقعية والطبيعية والعلمية للمتغيرات والمعارف المختلفة المتكونة حوله في العالم، كما أن سلطة الجيل القديم تفرض سيادتها بكونها تمتلك السلطة الاقتصادية الأولى في المجتمع فتحاول تحويل سلطة قوى الأيديولوجيا الاجتماعية السائدة في المجتمع ضد الجيل الجديد.
على أن هذه الضغوط التي يمارسها الجيل القديم ضد الجيل الجديد والتي يعتبرها الجيل القديم ثقافة تربوية تمارس عنفا على أفراد الجيل الجديد، فقوة العنف هنا مردها ممارسة التسلط واللجوء إلى أقصى درجاته إنْ استدعى الأمر لأي محاولة للاختلاف لإخضاعه وإلغاء وجوده المعنوي أو المادي بتهديد وضعه الاقتصادي كإحدى صور العنف النفسي أو الرمزي أو المادي "فالقمع في عمقه وهدفه هو أي قسر، ترغيبي أو ترهيبي، يفرض على الإنسان إما القيام بفعل أو الامتناع عنه، سواء في التفكير أو في القول أو السلوك أو العمل، أي أنه نقيض الحرية المطلقة التي هي انعدام القسر" (بيار بورديو/العنف الرمزي) كما أن صورة القمع تتمثل بالنظرة الدونية للآخر سببها التعصبات القبلية أو الدينية أو القومية والسياسية، فالجيل القديم يستهتر بأي محاولة من الجيل الجديد للحوار ويرفضه ولا يقتنع به.
يظهر هذا الصراع بين الجيلين بصورة خاصة في القبيلة والعائلة، كسلطة مبدأها العلاقة بين الصغير والكبير، فيلجأ كبير العائلة في الغالب إلى فرض قوته على الصغير والضعيف، فيتبع للأسف أساليب تنم عن مخاوفه من أي محاولة للاختلاف أو التميز أو ظهور الرغبة بحرية الإرادة الفكرية من كل فرد في العائلة، فتغيب مفاهيم الحب والحنان والمساندة والتعاطف، لتظهر بالمقابل أساليب القمع والازدراء والتهكم، وقد لا يعترف رب الأسرة بالإرهاب الذي يمارسه ضد العائلة وكل ذلك بسبب النتيجة الطبيعية لمفهوم التسلط والقمع، كما أن التراث العربي وضع الإخضاع والطاعة للكبير من أهم أساسيات العلاقات الإنسانية حتى وإن كانت تلك الطاعة تستطيع إنزال العقوبات أو التهديد بها على أولئك الذين لا يطيعون أوامرهم أو طلباتهم، فكيف للفرد في تلك الأسرة أن يتفرد ويتميز ويبدع في الحياة في ظل كونه من التوابع الذي لا يجب أن يختلف عن قوانين الأسرة، إذ الفرد حينها سيتبع طريقين أما التمرد الانفعالي ضدها أو تلاشيه وتقوقعها على نفسه، بدون رغبة في الحياة.
الأمن الذي يحتاجه الأفراد في الأسرة أو القبيلة هو الاعتراف بمقدرتهم على صناعة القرار في الحياة والاختلاف الإبداعي الذي يصل بهم إلى تذوق جمال الحياة، ولكن الظن بأن الأمن هو التسلط والتحكم بحياة الآخرين فأنه ينصع في شخصية الفرد البغضاء والجمود والكراهية وعقدة النقص وفقدان القدرة على التكيف مع مستحدثات الحياة، وبالتالي تنهدم شخصية الفرد القادر على البناء، فالعدوانية التي تمارسها العائلة أو القبيلة تؤدي إلى ولادة القلق وتولد حالات العنف، وقد ذكر الدكتور علي أسعد وطفة في كتابه (بنية السلطة وإشكالية التسلط التربوي في الوطن العربي) "أن العقاب يعزز العنف وهذه هي النتيجة التي تؤكدها دراسات عديدة في هذا المجال، وبينت أن العدوانية الزائدة ترتبط بحد كبير بدرجة العقاب الصارم وبخاصة عند الصبيان، وتشير الدلائل إلى أن الفتيات اللواتي تعرضن للعقاب الشديد أصبحن سلبيات على نحو كلي وهن يظهرن قليلاً من المشاعر وقليلاً من الميل للعدوانية". بالإضافة فأن ذلك العنف قد يصبح صورة متوارثة بالنسبة للأبن للعائلة التي سيكونها في المستقبل، فتكون تلك عادة استقاها من ثقافة العائلة بدون وعي، وتصبح في الفتاة التي تعرضت للعقاب والعنف صورة للمرأة التي لا تستطيع أن تصنع القرار في حياتها الأسرية في المستقبل، فترضخ لجميع محاولات العنف التي مورست ضدها من أقرب الناس إليها في البدء إلى محاولة عنف وقمع من قبل الجميع في المجتمع.

الإحساس بالدونية من قبل أقرب الناس إلى الإنسان تولد مواطنا بالغ الهامشية والتبعية غير قادر على التحكم بقراراته يسارع إلى استخدام أدوات الثقافة التي كانت تمارس ضده في الصغر لكبت انفعالاته ضد الأشياء التي تحدث حوله، فتلك الثقافة فرضت بداخل فكره التعطيل والتمسك بالعقائد والمورث بدون الحاجة إلى بناء العقول، التي بنيت على الطاعة العمياء بالإكراه، وما يحتاجه كل إنسان هو تحقيق مفهوم الحرية في تقبل الآخر بجميع اختلافاته ومميزاته، القادرة على صناعة ثقافة متجددة وقوية فكريا في المجتمع.

نشرت في جريدة الرؤية بتاريخ 15/يوليو/2013م

ليست هناك تعليقات: