أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الأربعاء، 10 أبريل 2013

القافزون


ربما يكون عنوان المقال مغلف بالغموض المندرج في كلمة "القافزون"، فالقفز هو الاعتلاء، وكسر خطوات الارض والجاذبية بالوثب إلى السماء، والإنسان منذ بدء التاريخ البشري يحاول الوصول إلى السماء بمختلف الطرق بداءاً من دراسة النجوم والكواكب حتى ممارسة رياضة القفز مروراً بالقفز الحر العكسي من الجبال والطائرات للأسفل كمغامرة محفوفة بالتشويق، انتهاءً بقفزة فيليكس القياسية من على ارتفاع 39 كيلومتر عن سطح الارض، وبذلك تطورت الابتكارات للمحاولات البشرية القفز بمختلف الطرق.
ولكن من أريد التحدث عنهم في مقالي هم فئة من الشباب المثقفين الموجدين في المجتمع، وأطلقت عليهم لقب القافزون، وأقصد بها القافزون ثقافياً عن جذور التاريخ والعادات والتقاليد لبعد مستقبلي يرغبون به الابتعاد عن الجمود بوثب بعيد المدى نحو القادم المتغير، ربما يكونوا فئة قليلة في المجتمع ولكن أفكارهم الحداثية والمتطورة والمتجددة احدثت فجوة عميقة لدى اصحاب الفكر المحافظ، فالفكر المحافظ يخشى المتغير ويخاف منه، يقلق من التجدد ويرى فيه بعداً غامضاً ومقلقاً لمبادئهم أو القيم التي استنبطوها عبر التاريخ، والتي يمارسوها عن طريق الوراثة والتلقين، والقافزون عن الجذور والتقاليد والافكار المحافظة يرون أن تلك الافكار لا تتناسب مع افكارهم ورؤيتهم الحداثية للحياة التي استنبطوها من الرغبة بالتغيير والتي ابتدأت بالتساؤلات العلمية والجدلية والفلسفية التي ما عادت اجوبة المحافظين تفي لسد حاجتهم للبحث الدائم عن تلك الاجوبة، وما عادت تلك الاجوبة تشبع القافزون أو تتسع لتطلعاتهم العلمية أو الفلسفية، فتلك الأجوبة المستهلكة أصبحت تثير الشكوك حول أمكانية أن تكون مزيفة ومصطنعة لا قيمة إنسانية لها وإنما تبرز حجم الجمود الذي وضع فيه الفكر في المجتمع.
"القافزون" هم فئات مختلفة فكرياً في تطلعاتهم، فهناك القافز علمياً وهو الذي يبحث عن أجوبة علمية لأفكاره، تشبع نهمه العلمي للكون والوجود، ولكن للأسف لا يجد في المجتمع من احتواء أو مساحة تتسع لضمه إلى أفراده، وهناك القافز فلسفياً الذي ما عادت الفلسفية المتوارثة تشبع اختلاف أفكاره عن الوجود وعن الذات، والقراءات التاريخية العالمية للفلسفة لا يجد لها آثرا في المجتمع رغم توافر الكتب حولها، وهؤلاء الفئات المختلفة من القافزون قد لا يستطيعون التصريح بأفكارهم ولذلك نجدهم منعزلين عن المجتمع، وأن صرحوا بأفكارهم نجد أن المجتمع غير قادر على استيعاب تلك التساؤلات أو الأفكار فيحدث تصادم بينهم وبين الافراد في المجتمع، فيواجه بالعنف الزاجر أو بتهميش الانعزالي.
سبب تسميتي لهم بالقافزون لأنهم بالنسبة إلي لايزالون بحاجة إلى قراءات تدعم تطلعاتهم وتفتت وتحلل الثقافة التي يرون فيها الجمود وعدم منطقيتها للأفكار والاحداث الإنسانية التي تحدث حولهم أو في العالم، فبعض القافزون قد يحرقون مراحل تاريخية لا تدعم وصول القافز إلى المكان بأمان، وهناك عبارة قد يكررها البعض رداً على نظرتي هذه " بأننا يجب أن نبدأ من حيث انتهى الأخرون"، ولكن ما هي تلك النهاية حتى نبدأ بتلك البداية، فالنهاية يجب أن تكون واضحة المعالم ولو بالفكرة حتى نستطيع أن ننطلق من نهايتها لبداية أكثر قوة وتماسكاً، فكل مرحلة تاريخية في الفلسفة وعلم الاجتماع هي المطور والمكمل لأفكارنا الحالية، فالتاريخ بالرغم من أن الكثير من الاقلام تلاعبت به، ولكنه له آثر في قدرته على تحرير الوعي من الجمود وذلك يحدث فقط حين نستطيع تسليط الضوء عليه بالتحليل والبحث والنقد الموضوعي.
هناك من القافزون المميزون في الثقافة الذين يحاولون بكتاباتهم ومقالاتهم أن يضيئوا الافكار بصورة صحيحة وسليمة تصل إلى جميع الافراد، وهناك محاولات من البعض في المجتمع من جماعة المحافظين لثنيهم عن قفزاتهم التاريخية، بالهجوم عليهم ومحاولة القضاء على تلك التحركات الفكرية التي نحن بأمس الحاجة إليه لنشر حق الاستقلال الفكري لجميع الافراد، فهؤلاء القافزون يحتاجون لمساحة من الحرية لطرح آرائهم بكل مصداقية ودراسة، فلهم رؤية بعيدة المدى عن الاحداث، كما أنهم يسلطون الضوء اثناء قفزهم عن وضع المجتمع الحالي وجموده التي قد لا يراها البعض أو قد يراها الآخرون ولكن لا يرغبون بتغيرها أو تسليط الضوء عليها، لكونها من التابوهات التي لا يجب أن تمس، وتساؤلات القافز قد تثير الشكوك حولها.
نحن بأمس الحاجة لإعادة النظر في المفاهيم والمدارك والقيم وفي استيعاب جميع الاختلافات الفكرية التي تبرز مع تطلعات الشباب، بالخروج من الاطر التي تأسرنا وتصنف أفكارنا في هويات ضيقة وصغيرة ومشوه، ولا يتم ذلك إلا بإفساح المجال نحو القافزون للوصول إلى أعالي السماء كرؤية تبرز أهم القفزات الفكرية وما هي تلك الرؤية التي استنبطت اثنائها، لتحرر الفكر من المفاهيم المستهلكة والمنغرسة في الأرض.

 نشرت بجريدة الرؤية بتاريخ 10/ابريل/2013

ليست هناك تعليقات: