أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الأربعاء، 20 مارس 2013

الفن غلاف للمجتمعات الحية



" الغرض من الفن هو غسل غبار الحياة اليومية من نفوسنا" هذه عبارة للفنان العالمي بيكاسو ضمت في ثناياها لدور الأساسي الذي يلعبه الفن، فخلال آلاف السنين كان للفن دوراً في علاج وشفاء كثير من الأمراض أو المشاكل النفسية، فقد أشار الفلاسفة والأطباء إلى الأفراد المعرضين للأمراض نفسية بالتعبير عنها عبر الرسومات وبقية الفنون، مما أدى بالتالي مع مرور الوقت إلى شفائهم وتحسن نفسيتهم،  فالفن من ضمن أهم العلوم الإنسانية التي أثرت في الحضارات عبر التاريخ، كما أنه يلعب دوراً مهما في التنمية التعليمية للطلاب في الوقت الحالي، وهو ناقل ثقافي للمجتمعات والحضارات عبر التاريخ، كما أنه معني بالتعريف عن ماهية أفكار الإنسان، وأبعادها الجمالية، عبر توظيف قدراته الإبداعية في مجال الفن وكشف تلك المهارات، وعلى سبيل المثال عليه الموسيقى التي تطورت وأثرت في ثقافة المجتمعات خلال مراحل تاريخية مختلفة، حتى وصولها إلينا الآن، فالموسيقى توصل المشاعر والعواطف المتعلقة بالإنسانية, كما أنها تلعب دوراً حيويا بأن تجعل الحدث ينبض بالحياة والإنسانية، و ينشئ علاقة ودية بين الناس، وهي مقوم مميز لسلوك الإنسان نحو الأفضل.
الفن كان ولا يزال أحد الأعمدة لنشر الثقافات في المجتمعات، عبر توظيف الرسومات والموسيقى كنوع للدعاية لنشر فكره معينة في المجتمع، وتأثير تلك المجالات الفنية على توثيق لمحة جمالية صاحبت تلك الأفكار، ونتج عن تلك الأفكار تطور المجتمعات وتقبل الأفراد لها عبر الفنون المختلفة، نذكر هنا على سبيل المثال ثقافة الفن الكلاسيكي الذي لا يزال ملهم للكثير من ثقافات حتى الآن، فهو تيار فكري قديم مستوحى من الحضارة اليونانية والرومانية، لتصوير الآلهة القديمة أو الأسطورة عبر أدوات فنية كاللوحات والنحت والهندسة المعمارية، بخلاف الموسيقى الكلاسيكية التي لا تختص بالثقافة اليونانية أو الرومانية، فالموسيقى الكلاسيكية وصف لموسيقى الفن الغربي من القرن الحادي عشر فصاعداً، والتي ازدهرت كذلك في أوربا الغربية منذ وفاة الملحن الكلاسيكي باخ حتى ثلاثينيات القرن التاسع عشر، والفن هنا لعب دور بالإعلان عن التيار الكلاسيكي.
أثر الفن في مخيلة الأمم السابقة، فساهم في جلب الأفكار الجديدة والثقافات المميزة التي أسهمت في تفسير الأحداث التاريخية، فالفن يلمس ما وراء الفكر وإلى جوهر العاطفة الإنسانية عبر عين فنان قد يكون قادر على توصيل حقيقة العالم من خلال رؤيته، ولا يتم ذلك إلا عبر تنمية الإدراك البشري, فقدرتنا على التعبير عن أنفسنا عبر الفنانين والمؤرخين من خلال لوحة أو منحوتة أو موسيقى يمثل الجنس البشري في العالم، بما يمثله من طفرة لتطور السلوك البشري في مراحل حياته ووعيه، فالفن في العصر الحجري يبين القدرات البسيطة للوعي الذي يملكه الإنسان في تلك الفترة، وتنشيط الأعصاب الموجودة في الدماغ كونت الذروة في التحول والتطور البشري، فأجدادنا لم يكن لديهم الوقت أو المهارة الكافية للاستجابة السريعة للمؤثرات من حولهم ولكنها ساهمت في تحفيز تلك الخلايا العصبية، فالمتتبع للرسومات التي كانت في الكهوف يجد أن الإنسان رسم الحيوانات أو الأدوات التي يستخدمها، ومن ثم ظهور المنحوتات التي أظهرت التطور الدماغي له عبر إبراز الأعضاء التي توضح مرحلة الوعي التي وصل إليها دماغه، مثال عليه التماثيل التي ترمز للإخصاب والصحة والجمال، ومن ثم عبدوها كنوع من التعويذات الدينية ،وهي مرحلة متطورة تبين الأفكار التي يرتكز الإنسان عليها في تلك الحقبة، فمخيلة الإنسان القديم ومحاولته الجاهدة لتوثيقها في الكهوف أو عبر التماثيل  ساهمت في تطور دماغ الإنسان، فالعلماء عبر دراساتهم بينوا عبر بحوثهم واكتشافاتهم ودراسة الدماغ البشري ما للفن من قدرة في تنشيط مستويات الدماغ وبالتالي مقدرتها على الوعي والإدراك.
استشعار الفن لا يجب أن يكون فقط مجرداً بتقليد الفنون السابقة، لأن ذلك لا يساهم في توظيفه بطريقة صحيحة للوعي والإدراك لدى الأفراد، والمتتبع للتاريخ العماني والآثار الموجودة في عمان يلاحظ بأن معالم نشأة التاريخ الفني ضعيف أو غير متتبع ومدروس بصورة صحيحة ومرضية، أو قد تظهر بسبب تأثير العلاقات والأنشطة التجارية التي كانت تتم بين عمان وبقية الدول عبر التاريخ عن طريق تواصلها الملاحي، أو كتأثيرات  انثروبولوجية بينها وبين الحضارات المحتكة والمتصلة بها، وبالتالي نلاحظ جمود النشاط الفني الذي آثر في  تفعيل دوره بعد ذلك في المجتمع  بالوقت الحالي.
وبالتالي حاجتنا إلى مجتمع حضاري تنموي أفضل في الوقت الحالي عبر نشر ثقافة الفن ولا يتم ذلك إلا عبر العديد من الخطوات أهمها وصول الفن إلى الجمهور، ومن ثم وعي الناس في المجتمع لقيمة الفن ، والخطوة الأخيرة تظهر في مقدرة الفن على تحسين سلوك الأفراد، وكفكرة مقترحة من الممكن العمل بها هي عبر إشراك الأفراد في المجتمع إلى مشاريع مكثفة تتبناها الحكومة لاستهداف جميع الشرائح في حلقات دراسية تنشر الفنون بأنواعها، وعبر برامج للمنح الدراسية المختصة بتنمية الجانب الفني العلمي، وجعلها حافز لتنمية المجتمع، وبالتالي يسهم في زيادة الثقة بين الفرد والمؤسسات الحكومية، وخلق مهارات قادرة على تنمية المجتمع عبر فنون إنسانية مميزة، كما أنه يعزز الاتصالات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، ويساهم في نشر الثقافة الفنية المحلية أو العالمية في المجتمع، فالفن أحد العوامل الرئيسة التي تسهم في تنمية المجتمعات، عبر المسارح والمعارض والسينما والموسيقى وغيرها من أنواع الفنون.

نشرت في جريدة الرؤية بتاريخ 20/ مارس/2013



ليست هناك تعليقات: