أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الأربعاء، 13 مارس 2013

لا لسيطرة الصوت الواحد


ظهرت في المجتمع خلال السنة وفي الفترة الحالية تحديداً الكثير من الحركات التي أفرزتها مظاهرات الشباب المطالبة بالإصلاحات وضرورة التغيير والتحديث في آلية عمل بعض المؤسسات الحكومية أو غيرها من الجوانب العملية في المجتمع، وكل تلك المطالبات تبين لنا كيف من الممكن أن يكون صوت الحرية قادر على ابتداع وابتكار الأفكار المختلفة والخلاقة التي تسهم في إعادة تشكيل واقعهم بما يتناسب مع مستجدات الأحداث في العالم ومع ما يناسب تطلعاتهم المتجددة، ورغم ذلك فأن ثمة مؤثرات وعوامل أخرى قد تفرض نفسها أو تحدد السلوك الاجتماعي لفئات المجتمع المختلفة لتضعها في قالب معين وموحد، فتأثير الثورات لا يمكن التنبؤ بها في ظل المتغيرات الواقعة في البلدان التي انطلقت منها شرارة ثورة الربيع العربي، فأي حدث يحدث في الوقت الحالي بالمجتمع سرعان ما يصبح نداء وطني عام وشامل حين ينطلق من مجموعة قادرة على التأثير في المجتمع في طريقة منهجها.
الرؤية الحالية للوضع في المجتمع تشوبه الكثير من الغموض وعدم الشفافية خاصة بما يتعلق برغبات بعض الجماعات المطالبة بالتغيير، وخاصة في ظل قوة التأثير القبلي والمذهبي المتزايد في المجتمع، وقد يعتبر في علم الاجتماع ظاهرة صحية تبرز جميع الفئات التي لديها رؤية ثورية مطالبة بالتغير الايجابي أو السلبي للمجتمع، والذي قد نستطيع من خلاله تحليلها ودراستها ومعرفة الأرضية التي انبثقت منها، ولكن كرؤية فردية وخاصة بي أرى أن في تلك المطالبات السلبية تأثيرات سلبية طويلة المدى قد تؤثر من وضع المجتمع في الوقت الحالي وقد تفرض سيطرتها على الكثير من المنشآت أو الحياة الاجتماعية، فتلك المطالبات وخاصة بما يتعلق بغلق دار الأوبرا، والتي انطلقت من غلطة غير مقصودة اعتذرت عليه الدار بعدها، وضعت الحجة لمثل هذه الجماعات المتشددة من البروز في الساحة ومحاولتها الانطلاق نحو الرغبة بالتغيير في ما يختص بالفنون، فمنذ افتتاح الدار وهناك همسات من خلف الجدران تجد أن الدار منشأة لا ضرورة لها ويجب أن تتغير لتكون منشأة إسلامية بحتة لتعليم شرائع الدين، هذه الجماعة تطالب بمنع الآخرين عن ممارسة ما يحبونه، فكيف تكون هذه التغيرات إصلاحية للمجتمع؟
ربما منطلق هذه الجماعة سيكون منطقي بل سيطالب بها جميع من في المجتمع لو كان لا وجود للمساجد والجوامع في الوطن، ولكن أن تحاول فرض سيطرتها على منشأة مهمة وضرورية في المجتمع للتعريف بالفنون الموسيقية المحلية والعالمية فذلك تدخل في حريات الآخرين التي هي من حق الجميع قبل أن تكون منشأة حكومية خاصة، وأعزي أسباب هذا التفكير الخاطئ والسلبي لدار الأوبرا للنظرة الاجتماعية للموسيقى في المجتمع، فلا تزال الثقافة الموسيقية للفرد محصورة بالاستماع إلى الموسيقى والطرب عن طريق الإذاعة والتلفاز أو شراء الأقراص والأشرطة الموسيقية، فحتى الموسيقى الشعبية أو التراثية تنحصر لدى جماعة لا تختلط مع المجتمع كثيراً أو تظهر فقط في المهرجانات، وينظر إليهم للأسف نظرة دونية مقللة من مكانتهم، وعند الحديث عن البنية التربوية في الثقافة الموسيقية لدى المؤسسات التعليمية فنجدها كما أشرت سابقا عبر مقالي عن الموسيقى فهي فقيرة أو تكاد أن تكون معدومة، ومثل هذه النظرة السلبية للموسيقى تعزز من تأثير هذه الجماعة على رؤيتهم للفن عموما ولدار الأوبرا خصوصاً، فثقافة التسامح وتقبل الاختلافات وحريات الآخرين لا يجب أن تتأثر في ظل المطالبات بالإصلاح والتغيير.
كما أن من الملاحظ في ردة فعل الجماعة المطالبة بغلق الدار حول الاعتذار الذي قدمته الدار عن ما بدر من فعل فردي حسن النية، أن ثقافة التسامح بدأت في التلاشي وهذا وضع مقلق في ضوء الاضطرابات التي تحدث في الوطن العربي، فمن طبيعة المجتمع تقبل الاختلاف والتسامح الذي يعتبر من أهم ميزة المواطن العماني، ولكن رفض الجماعة ذلك الاعتذار وإصرارهم على غلق الدار يدل على أن المسألة ستأخذ منحنى حاد لا رجعة فيه، ويجب على المجتمع أن يدرك خطورة هذه الأفكار على وضعها بالمستقبل، وما نأمله من أية حركة تزعم الإصلاح هي أن تتحلى بالوعي ونشر الثقافة الرفيعة وتحترم حرية الفرد في اتخاذ قراراته، ولا يتم ذلك إلا بإيمانها بأن الوعي المعرفي والعلمي للجميع من أهم ركائز مناشداتها.

نشرت في جريدة الرؤية بتاريخ 13/ مارس/2013

ليست هناك تعليقات: