أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الأربعاء، 13 فبراير 2013

التوثيق القانوني للمعاملات الاسرية دليل الحرية والمساواة



 

الزواج والطلاق في المجتمعات التي تستمد قوانينها من الشرائع القديمة تعتمد على التلفظ الشفوي، وذلك ملحوظ بشدة في مجتمعنا الذي يعتمد على هذه الشرائع، فلو بحثنا عن أساسيات العلاقة الزوجية في المجتمعات التي تستمد قوانينها من القوانين  القديمة والعادات والتقاليد - وليس بانضباط  القوانين بما يتماشى مع الحاضر وما يستجد من التطور والحداثة في الحاضر والمستقبل - نجد أن الزواج كان ولا يزال يتم بدون موافقة المرأة لدى بعض الاسر، وهي الطرف المهم في الشراكة الزوجية، و قد لا يتم الأخذ بعين الاعتبار رأيها في تأسيس هذه العلاقة التي ستسمر لسنوات وليست بصورة اعتباطية، فنجاح وتطور الأسرة في المجتمعات من أساسيات المجتمع المتطور والحديث والحر، الذي يرى في الأسرة مجتمع صغير قائم على القوانين لحفظ حقوقه من أجل المرور بمطبات الحياة في أمان.

حين نلاحظ في الشريعة الاسلامية نجد أن القوانين تركزت في الميثاق على التعاملات المادية فقط ( اي الاموال)، فهناك آيات واحاديث مستفيضة حول الدين والبيع  {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}، والمقصد هنا من كتابته وتوثيقه حتى لا تضيع الحقوق، ولكن ماذا عن أهم شراكة في المجتمع وهو الزواج وتكوين الاسرة، الذي وضعت التشريعات الدينية طريق الانفصال عنه هو الطلاق بالتلفظ الشفوي كمبدأ أولي واساسي، وهذا يخالف كون الزواج رابط مقدس تملؤه السكينة والطمأنينة والمحبة، وتركته بعد ذلك بأيدي الشيوخ يفتون فيه بحسب منظورهم الفقهي الخاص، ومن ثم فأن ألية الطلاق تهمش دور المرأة وكأنها كائن لا وجود له ولأهمية لرأيها ودورها المهم في الأسرة، فتضيع حقوقها حالما يتلفظ الرجل بكلمة " طالق " وتصبح المرأة مطلقة ينبذها المجتمع مباشرة، بسبب أحقية الرجل في التحكم باستمرارية ذلك الزواج أو عدمه، وترجع اسباب ذلك إلى طريقة الزواج الذي قد يتم بدون موافقة المرأة كما أشرت في البداية، فلو كان الزواج يتم عبر قوانين واضحة ومساواة لكلا الطرفين لقلل من المشاكل التي تحدث في الحياة الاسرية كثيراً، ويتبعه بالتأكيد توثيق الطلاق بالأوراق بحيث لا نترك المجال للحالات النفسية التي يمر بها الزوج لهدم مشوار حياة قائمة على اسرة، فالمرأة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار برأيها في مسألة الطلاق مثلما يأخذ رأيها في مسألة الزواج، فمن غير المنطقي والمعقول أن يترك أمر تحديد استمرارية الأسرة في كاهل الرجل فقط، وحينها يجب أن نضع قوانين معينة بحيث لا تضيع حقوق المرأة وابنائها بيد رجل تلفظ في لحظة بكلمة طالق، فالتوثيق يترك المجال للوعي وتحديد ايجابيات وسلبيات الحالة ومن تترك فترة من الهدوء قبل مرحلة الانفصال، كما أنه تقلل من المشاكل والصراعات التي تحدث بشأن الوصاية بالنسبة للأطفال حين الاطلاع للقوانين المتبعة بعدها.

ومن الملاحظ في حالات الطلاق الشفوي لدى بعض الازواج لا يعلمون هل تلفظها بصورة صحيحة أو غير صحيحة ، وبذلك ندخل في مطب اللغة وغيرها من تعقيدات لغوية، كما أن الرجل يجب أن يجلب شهود لتلفظه بتلك الكلمة أمام زوجته، ويجب عليه أن يذكر تحديد كيف نطقها وكما مرة وما هي الحالة التي مر عليها اثنائها، وتصبح حياة اسرة في ظرف لحظة بالهاوية لأن الطلاق وقع بصورة شفهية غيبت التفكير والهدوء قبلها، وبالتالي يندم الزوج حينما يتلفظ ثلاث مرات بكلمة طالق وبالتالي كي يتمكن من ارجاعها يجب عليها أن تتزوج رجلا غيره ومن ثم اذا رغب الرجل الاخر بتطليقها تذهب إليه، وكأن تلك المرأة لا رأي لها في الشأن الاسري ، أو كأنها من كماليات المنزل حين تقسيم، ولذلك يجب أن يكون التوثيق القانوني المعترف به وليس التلفظ الشفوي اللحظي، كي تحفظ الحقوق وتترك المجال للرجل والمرأة بإعادة حسابتهم سواء بالاستمرار أو الانفصال عن تراضي وبشكل قانوني.

في الوقت الحالي أصبحت المرأة مساهماً في مدخول الاسرة، ولم يعد الامر منوطاً على الرجل في المشاركة المادية، وغالبا ما يبحث الشاب الآن عن الزوجة العاملة التي تساعده وتخفف عنه من الضغوط المادية الذي تحدث في الحياة، فبناء البيت المشترك الذي يحتويهم أصبح من كلا الطرفين، وتربية الاطفال غالبا ما يكون من قبل الزوجة، فالشؤون الاسرية والمادية تقاسمته المرأة مع الرجل، لوعيها بضرورة دفع عجلة التنمية حالها من حال الرجل في المجتمع، وبالتالي يجب أن توضع قوانين تحفظ وتحمي المرأة من غياب حقوقها في حالة الطلاق والانفصال، ويؤخذ الطلاق الموثق بالقوانين الطريق الصحيح والصحي من أجل وضع الاسرة القادم، كما أن الطلاق الموثق يصون المرأة المطلقة ويحفظها من ألسنة الجماعات التي لا عمل لها سوى التعرض للآخرين بسوء الالفاظ والافعال.

كثير من النساء تتعرض للعنف في الحياة الزوجية ، وترفض الطلاق لانعدام الاستقلال المادي، أو تخشى الرجوع إلى بيت أهلها بسبب الخشية من ردة فعلهم لرجوعها إليهم مطلقة وخاصة في ظل سوء الوضع المادي لدى عائلتها، وكذلك خوفا من كلام الناس الذي يعرضها لمضايقات حتى موتها لأنها تعتبر اجتماعيا وعرفيا هي السبب في الانفصال بسبب قوة وضع الرجل في المجتمع، وهناك من الرجال من يعتبر ضعف المرأة من الطلاق اسلوب تهديد يمارسه معها، فيهددها بمقدرته على تطليقها بكلمة واحدة، وهكذا لأن الطلاق لم يبنَ من الاساس على التوثيق، ولم يكن في صف المرأة خاصة حينما تطلب هي الطلاق، فيتحكم الرجل بحريتها ويتركها معلقة " لاهي متزوجة ولا هي مطلقة" كنوع من التحكم في مصيرها، وكثيرا ما يمنعها من رؤية أولادها بعد الطلاق.

نحن بحاجة إلى قانون يحمي المرأة والاسرة ويضمن حقوقها المادية والمعنوية، بالاعتماد على الطلاق الموثق وليس اللفظي لإنهاء العلاقة الزوجية، ويكون بالاتفاق من كلا الطرفين على الطريقة التي يصون فيها حقوق المرأة وحقوق الاسرة،  ويعترف بالمرأة كشريك أساسي في العلاقة الزوجية والاسرية.
 
مقالي المنشور بجريدة الرؤية بتاريخ 13/ فبراير/2013

 
 

هناك تعليق واحد:

الكون المجازي يقول...

طرح جميل عادلة ، حظ موفق لك