أقوال

إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها .(جبران خليل جبران) _______ الصمت ينطق، والخوف ينتصر على نفسه، والجدار السميك يصبح أشلاء متهاوية على الأرض. (عقل العويط)

الجمعة، 11 يناير 2013

الفن التشكيلي في المجتمع



الرسم من أقدم الفنون التي مثلت البشرية ونقلت رسالتها قبل استخدام الكتابة لتوثيق التاريخ، حيث ترك إنسان الكهف في العصر الحجري القديم رسوماته على جدران الكهوف أو على جلود الحيوانات التي يصطادها، فكانت تمثل أدواته في تلك الحقبة من التاريخ، فرسم الحيوانات والنباتات التي من حوله باستخدامه للفحم أو الدم أو بالنحت على صخور الكهف التي كان تتوافر أدواتها من الطبيعة، وكانت تلك الرسومات تمثل الواقع البسيط للإنسان العاقل كعلامات رمزية للأدوات التي كانت تتوافر لديه، وهي كانت بعيدة عن الفن بقدر ما كانت أسلوب كتابة، ولا يزال علماء التاريخ لا يعرفون الأسباب الرئيسية التي جعلت إنسان الكهف يضع تلك الرسوم في الصخور أو الكهوف والجلود أو ماذا كانت تمثل لهم تحديداً. كما زين قدماء المصريين (الفراعنة) في جدران معابدهم وقبورهم مشاهداتهم في الحياة اليومية، التي أظهرت مهارتهم في النقوش الزخرفية البديعة، وتطور الرسم بعد ذلك مع مرور التاريخ حتى الآن بحسب ثقافة المجتمع المختلفة، فكل ثقافة وجدت عبر التاريخ كان للرسم الدور في قراءتها ومعرفة طبيعة تلك الثقافة وأسلوبها التي تركها الإنسان في جذوع الأشجار والجلود والمعادن، ومن ثم في المعابد والقصور، حتى حل الورق محل تلك الأدوات في العصور الوسطى، الذي كان أول ظهور له في الحضارة الصينية ثم انتقل إلى أوربا، وبالتالي زاد من إنتاج الرسومات الورقية وازدهار الفن التشكيلي.
تطورت الحاجة إلى الرسم مع مرور التاريخ، فأصبح الرسم من الفنون المميزة التي يستطيع الإنسان التعبير به عن مجتمعه وذاته، وأنشأت مدارس للفن التشكيلي، الذي قسم إلى مراحل مختلفة تعني بقراءة تلك اللوحات ودراستها، على سبيل المثال (الباروكية، الروكوكو، الكلاسيكية، الرومانسية، الواقعية، ما قبل الرفائيلية، الانطباعية وما بعدها، الرمزية، الفن الحديث، التعبيرية، المستقبلية، السريالية، التكعيبية.. وغيرها) وكان لكل من هذه المدارس روادها المشهورون بلوحاتهم في مجالها.
للفن التشكيلي أهمية في حركة المجتمع وتطوره، فهو يكسر كل الحواجز في خيال وفكر الإنسان ويرسمها في اللوحات، ويزيد من التواصل بين الفنان والطبيعة والحراك في مجتمعه، وكما أنه يعد حالياً من أهم أنواع التعبير عن حرية الرأي بالرسوم التعبيرية أو الكاريكاتير، فهو قائم على الحرية في الرسم والتعبير، كما أن له مقدرة على نمو الدماغ لأنه يحفز القدرات الفكرية والتعبيرية وخاصة لدى الاطفال، فبحسب الدراسات فأن الاطفال الذين يمارسون الرسم يكتشفون الملاحظات والتفاصيل الدقيقة التي تقوي الذاكرة وتعزز مهارة الرسم والكتابة والمهارات اليدوية، كما أن الرسم يطور الخيال والذكريات التي تساعد في وضع المعنى والاتجاه للممارسات الحياتية المستقبلية، كما أنها تضيف للطفل متعة خلاقة يستفيد منها بالتعرف على الطبيعة من حوله عن طريق رسمها.
ولكن من الملاحظ أن الفن التشكيلي في مجتمعنا يعاني إهمالا، تظهر صورته في المتلقي الذي يهمل هذا الجانب الذي يعتبر فيه الفن التشكيلي نتاجا ثقافيا يساعد على تحفيز الوعي الجمالي لديه، كما أن المؤسسات التعليمة تساهم في هذا الاهمال والأمية والجهل بهذا الفن لعدم توفيرها مناهج اكاديمية مدروسة، فمادة التربية الفنية تعاني من قلة الأدوات والدراسات والمناهج التي يجب توظيفها لتدريسها للطالب، فهناك الكثير من المدارس أهملت حصة الرسم واعتبرتها من الحصص الغير مهمة وخاصة في صفوف (الأول وحتى العاشر) مع العلم أن تلك المراحل هي من أهم المراحل في نمو الدماغ وتعزيز قدراته الابتكارية والخيالية، وهي للأسف ضعيفة جدا مقارنة بأكاديميات الدول الغربية التي قطعت شوطا مميزاً في الاهتمام بتدريس الفن التشكيلي في المؤسسات التعليمية، كما أن مؤسساتنا تهمل الجانب التثقيفي لهذا الفن بسبب عدم توافر معارض أو متاحف أو أماكن تعني بتنمية هذه الثقافة للطلاب، كما أن مخرجات الدراسة من الجامعة تنظر للفن التشكيلي باعتباره تحصيل حاصل للدراسة بالجامعة ومن ثم التوظيف، فبعض مدرسي مادة التربية الفنية لا يتقنون تدريسها للطلبة بصورة صحيحة اكاديمياً، أو بصورة مقنعة لعدم وجود الاقتناع العلمي والعملي لديهم.
 
وهناك مشكلة اخرى أدت إلى غربة الفن التشكيلي في مجتمعنا، وهي أن المهارات الفنية للفرد لا تتابع وتهمل من جانب المؤسسات الحكومية، وكل من يرغب بدراسة هذا الفن يعاني من عدم توافر اكاديميات في المجتمع تعني بهذا الجانب، وعدم مقدرته على السفر إلى الخارج لعدم توافر السيولة المادية التي تخوله الاهتمام بتنمية هذا الجانب، وأغلب الفنانين في مجتمعنا هم من الفئة النخبوية الذين استطاعوا دراسة الفن بالخارج، ومع هذا فإن نتاجهم الفني منعزل عن الجماهير، بسبب وجود تلك الفجوة بين القيم التي درسوها في الخارج ومقدرتهم على إظهارها أو تفعيلها في المجتمع مع ما يتناسب المجتمع الذي هو فاقد لهذه الثقافة من الأساس.
الفن التشكيلي بحاجة إلى انتماء للمجتمع وتطوير أدواته وتوافر بحوث ودراسات اكاديمية تساهم في الرقي بهذا الجانب الثقافي وتفعيله بشكل صحيح وصحي، كما أنه يجب أن تتوافر للفن التشكيلي الحرية التي تخوله لتنمية المقدرات الفكرية، ويجب أن تبعد عنه النظرة السلبية والخروج من التبعية التي تنشرها جماعات التخلف والجهل والقمع التي تقيد وتجمد الحضارة والعلوم وإيقاع التطور بمقاييسهم الضيقة، فالفن التشكيلي هو تاريخ الإنسانية وهو صورة من صور مظاهر الحضارة والثقافة في المجتمع وليس مثلما تنشر بعض الجماعات القمعية أنه يتضمن الفساد والخراب للمجتمع.

ليست هناك تعليقات: