قد يثير عنوان
مقالي انزعاج شريحة النساء في المجتمع والأسرة، ولكن لنتريث قليلاً ونفكر لسبب كتابتي
لهذا المقال. المهر في العرف التراثي حق مالي للمرأة على الرجل قبل معاشرته لها بعقد
الزواج، ولكن هل المرأة تشترى؟ هل المرأة تعتبِر المهر المادي ثمنا لجسدها وفكرها؟
هل الزواج لا يتم إلا بالحق المادي؟ هل بالفعل المهر المادي حق؟ وإن كان في السابق
يعتبر كهدية يهديها الزوج لزوجته، ولكنه دخل مع مرور الوقت في سوق الارتفاع كسعر الأسهم
التجارية! وليت المهر مثلما يدعي البعض يحفظ كرامة المرأة، فلاتزال هناك نساء يمارس
ضدهن الرجل العنف في الأسرة أو تطلق وترجع إلى بيتها وقد تلاشى ذاك المهر الذي زرع
في فكرها بأنه قادر على حمايتها. الذي تحتاجه المرأة هو المهر المعنوي، المهر الذي
تبحث فيه المرأة عن الوعي وإدراك حس المسؤولية من جانبها وجانب الرجل، ذاك المهر الذي
تجد فيه المرأة الحب والتفهم والثقة باختياراتها لشريك حياتها.
تغير مفهوم المهر
مع مرور الوقت وأصبح شأنا معنيا بالأسرة والقبيلة وليس شأنا خاصا بالمرأة أو الرجل
والزواج، وغالباً ما يرتفع سهم المهر عندما يكون الشاب من قبيلة مختلفة عن قبيلة الفتاة
التي يتقدم إليها، وكل هذا بسبب حجج نفسية أكثر من كونها إشكالية واقعية، فهل المهر
يخفف من ابتعاد الفتاة عن منزل أهلها أم هي حجة لتعجيز الشاب مادياً؟ أوليس الأولى
أن يكون ذلك المهر هو لبناء الحياة الزوجية معاً؟ وإن كان بسبب خوف الأهل على الفتاة
وابتعادها عن حضن الأسرة فهل ذلك الخوف يتلاشى بارتفاع سعر المهر؟ ولمَ في الأساس يتم
تزويجها في ظل الخوف من المتقدم لخطبتها؟
أين وعي المرأة
المتعلمة في أحقيتها في اختيار شريك الحياة وليس في اختيار رقم المبلغ المحدد للمهر؟
ومع ذلك للأسف فإن المرأة المتعلمة والموظفة ترتقع قيمتها للمتقدم لخطبتها، فيتحجج
الأب والأم بكونهم ربوا الفتاة وتعبوا عليها ويجب أن يدفع الخاطب مهراً أكبر يعوض عليهم
قيمة تربيتهم للفتاة، فهل المهر لها أو للأهل؟ وهل التربية أصبحت تجارة يتم التفاوض
عليها حين يأتي أوان الفتاة أن تستقر مع زوجها في بيت لوحدهما؟
عدم الارتباط عن
حب هو أحد الأسباب لوجود المهر، وللأسف ينتشر كثيراً في مجتمعنا الزواج بدون حب وقد
أصبح عادة يتعامل معها الجميع ويضع لها مبررات مختلفة غير منطقية أو واقعية، وعلى سبيل
المثال لتلك الإشكالية وما تخلفه من مساؤي زواج الرجل الكبير في السن من فتاة صغيرة
في السن، فهو يستميل الأسرة للموافقة عن طريق أن يدفع لها مهرا كبيرا جداً، ذلك المهر
قادر على تقديم الفتاة الصغيرة على طبق من ذهب للرجل العجوز، فالفتاة لا تعي هنا ولا
تستطيع أن تقدم للرجل الكبير في السن حاجياته ولا يستطيع هو في المقابل أن يستوعب طفولتها،
مما يؤدي إلى خلق مشاكل في بداية حياة الفتاة التي ستمر بتجربة غير قادرة على استيعابها
ومن ثم ترجع إلى منزل أسرتها مطلقة أو ستحمل الكثير من المشاكل النفسية في حياتها،
وبالتالي فإن الأسرة -وهذا مثال كثير على الأسر الموجودة في المجتمع- لا توافق على
الشاب إلا اذا استطاع أن يقدم مهراً يثقل كاهله، وبالتالي يفقد الزواج مبدأه الأساسي
بكونه أمانا عاطفيا، ليدخل في زوبعة التجارة المادية لمن يدفع أكثر ثمنا للمرأة، وذاك
المبلغ الذي دفعه الشاب في أول حياته سيؤدي إلى تراكمات ماديه وديون تسبب بحالات طلاق
أو مشاكل أسرية في كثير من الأحيان، ولذلك يجب على المرأة أن تعي أن المهر المادي الذي
يقدم لها هو إهانة لها و يدل على أن الرجل قادر على استمالتها عن طريق مبلغ مادي، ويجب
عليها أن تثبت للمجتمع أنها قادرة على تكوين أسرة وأن تشارك الرجل همومه ومقدرتهما
على تكوين أسرة صغيرة من مبادئ الشراكة الزوجية التي ستتم بينهما، فالمرأة التي عاشت
في بيئة مليئة بالثقة وتعزيز ثقافتها ووعيها لا ترضى أن تتزوج من شاب غير قادر على
بناء أسرة.
وضع المجتمع الحالي
وما يطرأ عليه من متغيرات لا يجب أن يزعزع بناء الأسرة، ويجب أن يكون هناك مقدار كاف
من التسامح والبساطة من قبل الأهل كي يتم تكوين تلك الأسرة، فليس من المعقول والمنطقي
أن تعتبر الأسرة المهر موضع افتخار وتباهٍ بين الجميع، وإنما الافتخار بقدرة أبنائهم
والثقة بهم على تكوين وبناء أسرة قادرة على تحمل المسؤولية بدون فرض المهر، فليس المهر
هو الذي يكوّن الأسرة وإنما الوعي، وعي الرجل والمرأة، فللأسف هناك الكثير من الأسر
تتباهى بالمبلغ والذهب الذي دفعه العريس لابنتهم، بحجة أن ابنتهم غالية أو بكون ابنهم
قادر على الدفع. الحب لا يتم عن طريق البيع والشراء، وإنماء يتم عن طريق تعزيز الثقة
في البنت والشاب بالمسؤولية المقبلة عليهم.
المشكلة في قضية
المهر، أن أغلب الشباب هم من يعانون منها، والفتاة في الغالب لا تطرح أو تعطي رأيها
في الموضوع، لأنها تعودت عرفيا على الصمت، فهي ترضخ لأي قرار أو رؤية يوافق عليها المجتمع،
وتعزل نفسها عن الإقرار بتحمل المسؤولية والوعي، وكل هذا نتيجة البيئة الذي حولتها
إلى كائن يتكل على الغير، فالمرأة في المجتمع للأسف ترفض الاختلاف وترى نفسها في أن
تكون كهذه أو تلك من الفتيات حولها قدوة للمباهاة بما لديها، فيضيع حس الإرادة والإقرار
من يدها، وتصبح مقلدة لكل ما من شأنه يدخل في شأن الزواج والأسرة. الوعي فقط والإدراك
والثقافة هي من سينتشلها من هذا الوهم، ويجعلها تدرك أن المهر المادي إهانة لها.
نشر في جريدة الرؤية بتاريخ 22/ يوليو/2013م
هناك تعليق واحد:
نعم
مقال جيد
ويجب على الأسر التعاون لحفظ وصون الأسرة التي ستكونها ابنتهم أو ابنهم
قال رسولنا الكريم: أقلهن مهرا أكثرهن بركه.
بارك الله فيك
إرسال تعليق